قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ وأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يسأل المسكنة ويتعوذ من الفقر. وقيل بالعكس لقوله تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ. وَالْعامِلِينَ عَلَيْها الساعين في تحصيلها وجمعها. وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيستأنف قلوبهم أو أشراف قد يترتب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظرائهم، وقد أعطى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس لذلك. وقيل أشراف يستألفون على أن يسلموا فإنه صلّى الله عليه وسلّم كان يعطيهم والأصح أنه كان يعطيهم من خمس الخمس الذي كان خاص ماله وقد عد منهم من يؤلف قلبه بشيء منها على قتال الكفار ومانعي الزكاة. وقيل كان سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأكثر أهله سقط. وَفِي الرِّقابِ وللصرف في فك الرقاب بأن يعاون المكاتب بشيء منها على أداء النجوم. وقيل بأن تبتاع الرقاب فتعتق وبه قال مالك وأحمد أو بأن يفدي الأسارى. والعدول عن اللام إلى فِي للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب. وقيل للايذان بأنهم أحق بها.
وَالْغارِمِينَ والمديونين لأنفسهم في غير معصية ومن غير إسراف إذا لم يكن لهم وفاء، أو لإِصلاح ذات البين وإن كانوا أغنياء
لقوله صلّى الله عليه وسلّم:«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغني أو لعامل عليها»
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وللصرف في الجهاد بالإِنفاق على المتطوعة وابتياع الكراع والسلاح. وقيل وفي بناء القناطر والمصانع. وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر المنقطع عن ماله. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ مصدر لما دل عليه الآية الكريمة أي فرض لهم الله الصدقات فريضة، أو حال من الضمير المستكن في لِلْفُقَراءِ. وقرئ بالرفع على تلك فَرِيضَةً. وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يضع الأشياء في مواضعها، وظاهر الآية يقتضي تخصيص استحقاق الزكاة بالأصناف الثمانية ووجوب الصرف إلى كل صنف وجد منهم ومراعاة التسوية بينهم قضية للاشتراك وإليه ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه، وعن عمر وحذيفة وابن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين جواز صرفها إلى صنف واحد وبه قال الأئمة الثلاثة واختاره بعض أصحابنا، وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى على أن الآية بيان أن الصدقة لا تخرج منهم لا إيجاب قسمها عليهم.
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ يسمع كل ما يقال له ويصدقه، سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع كما سمي الجاسوس عيناً لذلك، أو اشتق له فعل من أذن أذناً إذا استمع كأنف وشلل. روي أنهم قالوا محمد أذن سامعه نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول. قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ تصديق لهم بأنه أذن ولكن لا على الوجه الذي ذموا به بل من حيث إنه يسمع الخير ويقبله، ثم فسر ذلك بقوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ يصدق به لما قام عنده من الأدلة. وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ويصدقهم لما علم من خلوصهم، واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق فإنه بمعنى التسليم وإيمان الأمان. وَرَحْمَةٌ أي وهو رحمة. لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ لمن أظهر الإِيمان حيث يقبله ولا يكشف سره، وفيه تنبيه على أنه ليس يقبل قولكم جهلاً بحالكم بل رفقاً بكم وترحماً عليكم. وقرأ حمزة وَرَحْمَةٌ بالجر عطفاً على خَيْرٍ. وقرئ بالنصب على أنها علة فعل دل عليه أُذُنُ خَيْرٍ أي يأذن لكم رحمة. وقرأ نافع أُذُنٌ بالتخفيف فيهما.
وقرئ «أُذُنُ خَيْرٍ» على أن خَيْرٍ صفة له أو خبر ثان وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بإيذائه.