[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥)
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً خاصة بكم كما قلتم: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً ونصبها على الحال من الدار. مِنْ دُونِ النَّاسِ سائرهم، واللام للجنس، أو المسلمين واللام للعهد فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لأن من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاقها، وأحب التخلص إليها من الدار ذات الشوائب، كما
قال علي رضي الله تعالى عنه: (لا أبالي سقطت على الموت، أو سقط الموت علي) .
وقال عمار رضي الله تعالى عنه بصفين: (الآن ألاقي الأحبة محمداً وحزبه) . وقال حذيفة رضي الله عنه حين احتضر: (جاء حبيب على فاقة لا أفلح من ندم) أي: على التمني، سيما إذا علم أنها سالمة له لا يشاركه فيها غيره.
وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من موجبات النار، كالكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، والقرآن، وتحريف التوراة. ولما كانت اليد العاملة مختصة بالإنسان، آلة لقدرته بها عامة صنائعه ومنها أكثر منافعه، عبر بها عن النفس تارة والقدرة أخرى، وهذه الجملة إخبار بالغيب وكان كما أخبر، لأنهم لو تمنوا لنقل واشتهر، فإن التمني ليس من عمل القلب ليخفى، بل هو أن يقول: ليت لي كذا، ولو كان بالقلب لقالوا: تمنينا.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه، وما بقي على وجه الأرض يهودي»
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم، ونفيه عمن هو لهم.
[[سورة البقرة (٢) : آية ٩٦]]
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦)
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ من وجد بعقله الجاري مجرى علم، ومفعولاه هم وأحرص الناس، وتنكير حياة لأنه أريد بها فرد من أفرادها وهي: الحياة المتطاولة، وقرئ باللام. وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا محمول على المعنى وكأنه قال: أحرص من الناس على الحياة ومن الذين أشركوا. وإفراده بالذكر للمبالغة، فإن حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلا الحياة العاجلة، والزيادة في التوبيخ والتقريع، فإنهم لما زاد حرصهم. وهم مقرون بالجزاء على حرص المنكرين. دل ذلك على علمهم بأنهم صائرون إلى النار، ويجوز أن يراد وأحرص من الذين أشركوا، فحذف أحرص لدلالة الأول عليه، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف صفته يَوَدُّ أَحَدُهُمْ على أنه أريد بالذين أشركوا اليهود لأنهم قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، أي: ومنهم ناس يود أحدهم، وهو على الأولين بيان لزيادة حرصهم على طريق الاستئناف. لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ حكاية لودادتهم، ولو بمعنى ليت وكان أصله: لو أعمر، فأجرى على الغيبة لقوله: يود، كقولك حلف بالله ليفعلن وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ الضمير لأحدهم، وأن يعمر فاعل مزحزحه، أي وما أحدهم بمن يزحزحه من العذاب تعميره، أو لما دل عليه يعمر. وأن يعمر بدل منه. أو مبهم، وأن يعمر موضحه وأصل سنة سنوة لقولهم سنوات. وقيل سنهة كجبهة لقولهم سانهته وتسنهت النخلة إذا أتت عليها السنون، والزحزحة التبعيد وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ فيجازيهم.
[[سورة البقرة (٢) : آية ٩٧]]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧)
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ نزل في عبد الله بن صوريا،
سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عمن ينزل عليه بالوحي؟