وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ أي وممن حول بلدتكم يعني المدينة. مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ هم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار كانوا نازلين حولها. وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عطف على مِمَّنْ حَوْلَكُمْ أو خبر لمحذوف صفته. مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ونظيره في حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه قوله:
أَنَا ابنُ جَلا وَطَلاَّع الثنَايَا وعلى الأول صفة للمنافقين فصل بينها وبينه بالمعطوف على الخبر أو كلام مبتدأ لبيان تمرنهم وتمهرهم في النفاق. لاَ تَعْلَمُهُمْ لا تعرفهم بأعيانهم وهو تقرير لمهارتهم فيه وتنوقهم في تحامي مواقع التهم إلى حد أخفى عليك حالهم مع كمال فطنتك وصدق فراستك. نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ونطلع على أسرارهم إن قدروا أن يلبسوا عليك لم يقدروا أن يلبسوا علينا. سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ بالفضيحة والقتل أو بأحدهما وعذاب القبر، أو بأخذ الزكاة ونهك الأبدان. ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ إلى عذاب النار.
[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٢]]
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ولم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة، وهم طائفة من المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سَوَاري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين،
فقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدخل المسجد على عادته فصلى ركعتين فرآهم فسأل عنهم فذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى تحلهم فقال: وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم فنزلت فأطلقهم.
خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً خلطوا العمل الصالح الذي هو إظهار الندم والاعتراف بالذنب بآخر سيئ هو التخلف وموافقة أهل النفاق، والواو إما بمعنى الباء كما في قولهم: بعت الشاء شاة ودرهماً. أو للدلالة على أن كل واحد منهما مخلوط بالآخر. عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أن يقبل توبتهم وهي مدلول عليها بقوله اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يتجاوز عن التائب ويتفضل عليه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٤]
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً
روي: أنهم لما أُطْلِقُوا قالوا يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا فتصدق بها وطهرنا فقال: «ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً» فنزلت.
تُطَهِّرُهُمْ من الذنوب أو حب المال المؤدي بهم إلى مثله. وقرئ «تُطَهّرُهُمْ» من أطهره بمعنى طهره و «تُطَهّرُهُمْ» بالجزم جواباً للأمر. وَتُزَكِّيهِمْ بِها وتنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين. وَصَلِّ عَلَيْهِمْ واعطف عليهم بالدعاء والاستغفار لهم.
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم، وجمعها لتعدد المدعو لهم وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالتوحيد. وَاللَّهُ سَمِيعٌ باعترافهم. عَلِيمٌ بندامتهم.
أَلَمْ يَعْلَمُوا الضمير إما للمتوب عليهم والمراد أن يمكن في قلوبهم قبول توبتهم والاعتداد بصدقاتهم، أو لغيرهم والمراد به التحضيض عليهما. أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ إذا صحت وتعديته ب عَنْ لتضمنه معنى التجاوز. وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ يقبلها قبول من يأخذ شيئاً ليؤدي بدله. وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وأن من شأنه قبول توبة التائبين والتفضل عليهم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)