[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٢]]
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢)
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعنى ابن أبي وأضرابه. يُسارِعُونَ فِيهِمْ أي في موالاتهم ومعاونتهم.
يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من دوائر الزمان بأن ينقلب الأمر وتكون الدولة للكفار.
روي (أن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن لي موالي من اليهود كثيراً عددهم، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله، فقال ابن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية موالي) فنزلت.
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أعدائه وإظهار المسلمين. أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يقطع شأفة اليهود من القتل والإِجلاء، أو الأمر بإظهار أسرار المنافقين وقتلهم. فَيُصْبِحُوا أي هؤلاء المنافقون. عَلى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ على ما استبطنوه من الكفر والشك في أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فضلاً عما أظهروه مما أشعر على نفاقهم.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٣]]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا بالرفع قراءة عاصم وحمزة والكسائي على أنه كلام مبتدأ ويؤيده قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر مرفوعاً بغير واو على أنه جواب قائل يقول فماذا يقول المؤمنون حينئذ، وبالنصب قراءة أبي عمرو ويعقوب عطفاً على أن يأتي باعتبار المعنى، وكأنه قال: عسى أن يأتي الله بالفتح ويقول الذين آمنوا، أو يجعله بدلاً من اسم الله تعالى داخلاً في اسم عسى مغنياً عن الخبر بما تضمنه من الحدث، أو على الفتح بمعنى عسى الله أن يأتي بالفتح وبقول المؤمنين فإن الإِتيان بما يوجبه كالإِتيان به. أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ يقول المؤمنين بعضهم لبعض تعجباً من حال المنافقين وتبجحاً بما منَّ الله سبحانه وتعالى عليهم من الإِخلاص أو يقولونه لليهود، فإن المنافقين حلفوا لهم بالمعاضدة كما حكى الله تعالى عنهم وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وجهد الأيمان أغلظها، وهو في الأصل مصدر ونصبه على الحال على تقدير وأقسموا بالله يجهدون جهد أيمانهم، فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه ولذلك ساغ كونها معرفة أو على المصدر لأنه بمعنى أقسموا. حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ إما من جملة المقول أو من قول الله سبحانه وتعالى شهادة لهم بحبوط أعمالهم، وفيه معنى التعجب كأنه قيل أحبط أعمالهم فما أخسرهم.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٥٤]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قرأه على الأصل نافع وابن عامر وهو كذلك في الإِمام، والباقون بالإِدغام وهذا من الكائنات التي أخبر الله تعالى عنها قبل وقوعها، وقد ارتد من العرب في أواخر عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلاث فرق: بنو مدلج وكان رئيسهم ذا الحمار الأسود العنسي، تنبأ باليمن واستولى على بلاده ثم قتله فيروز الديلمي ليلة قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غدها وأخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تلك الليلة فسر المسلمون وأتى الخبر في أواخر ربيع الأول.
وبنو حنيفة أصحاب مسيلمة تنبأ وكتب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجاب من محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فحاربه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجند من المسلمين وقتله وحشي قاتل حمزة. وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ