[[سورة النساء (٤) : آية ٤٨]]
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ لأنه بت الحكم على خلود عذابه وأن ذنبه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو بخلاف غيره. وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ أي ما دون الشرك صغيراً كان أو كبيراً. لِمَنْ يَشاءُ تفضلاً عليه وإحساناً. والمعتزلة علقوه بالفعلين على معنى إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ الشرك لمن يشاء. وهو من لم يتب ويغفر ما دونه لمن يشاء وهو من تاب. وفيه تقييد بلا دليل إذ ليس عموم آيات الوعيد بالمحافظة أولى منه ونقض لمذهبهم فإن تعليق الأمر بالمشيئة ينافي وجوب التعذيب قبل التوبة والصفح بعدها، فالآية كما هي حجة عليهم فهي حجة على الخوارج الذين زعموا أن كل ذنب شرك وأن صاحبه خالد في النار. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً ارتكب ما يستحقر دونه الآثام، وهو إشارة إلى المعنى الفارق بينه وبين سائر الذنوب، والافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذلك الاختلاق.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ يعني أهل الكتاب قالوا نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
وقيل: ناس من اليهود جاءوا بأطفالهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: هل على هؤلاء ذنب قال لا قالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل، وما عملنا بالليل كفر عنا بالنهار.
وفي معناهم من زكى نفسه وأثنى عليها.
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ تنبيه على أن تزكيته تعالى هي المعتد بها دون تزكية غيره، فإنه العالم بما ينطوي عليه الإِنسان من حسن وقبيح، وقد ذمهم وزكى المرتضين من عباده المؤمنين. وأصل التزكية نفي ما يستقبح فعلاً أو قولاً. وَلا يُظْلَمُونَ بالذم أو العقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حق. فَتِيلًا أدنى ظلم وأصغره، وهو الخيط الذي في شق النواة يضرب به المثل في الحقارة.
انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ في زعمهم أنهم أبناء الله وأزكياء عنده. وَكَفى بِهِ بزعمهم هذا أو بالافتراء. إِثْماً مُبِيناً لا يخفى كونه مأثماً من بين آثامهم.
[[سورة النساء (٤) : آية ٥١]]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ نزلت في يهود كانوا يقولون إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعوهم إليه محمد. وقيل في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف في جمع من اليهود خرجوا إلى مكة يحالفون قريشاً على محاربة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا. والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله. وقيل أصله الجبس وهو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء. والطاغوت يطلق لكل باطل من معبود أو غيره. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا لأجلهم وفيهم. هؤُلاءِ إشارة إليهم.
أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أقوم ديناً وأرشد طريقاً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣)