[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ معدلاً لها موَاظباً عليها. وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على المنصوب في اجْعَلْنِي، والتبعيض لعلمه بإعلام الله أو استقراء عادته في الأمم الماضية أن يكون في ذريته كفار. رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ واستجب دعائي أو وتقبل عبادتي.
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وقرئ «ولأبويّ» ، وقد تقدم عذر استغفاره لهما. وقيل أراد بهما آدم وحواء.
وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ يثبت مستعار من القيام على الرجل كقولهم: قامت الحرب على ساق، أو يقوم إليه أهله فحذف المضاف أو أسند إليه قيامهم مجازا.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣)
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ خطاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به تثبيته على ما هو عليه من أنه تعالى مطلع على أحوالهم وأفعالهم لا يخفى عليه خافية، والوعيد بأنه معاقبهم على قليله وكثيره لا محالة، أو لكل من توهم غفلته جهلاً بصفاته واغتراراً بإمهاله. وقيل إنه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم. إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ يؤخر عذابهم وعن أبي عمرو بالنون. لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أي تشخص فيه أبصارهم فلا تقر في أماكنها من هول ما ترى.
مُهْطِعِينَ أي مسرعين إلى الداعي، أو مقبلين بأبصارهم لا يطرفون هيبة وخوفاً، وأصل الكلمة هو الإِقبال على الشيء. مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ رافعيها. لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف، أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم. وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ خلاء أي خالية عن الفهم لفرط الحيرة والدهشة، ومنه يقال للأحمق وللجبان قلبه هواء أي لا رأي فيه ولا قوة قال زهير:
من الظلمان جؤجؤه هواء وقيل خالية عن الخير خاوية عن الحق.
[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٤]]
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يا محمد. يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ يعني يوم القيامة، أو يوم الموت فإنه أول أيام عذابهم، وهو مفعول ثان ل أَنْذِرِ. فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالشرك والتكذيب. رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ أخر العذاب عنا أو ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى حد من الزمان قريب، أو أخر آجالنا وأبقنا مقدار ما نؤمن بك ونجيب دعوتك. نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ جواب للأمر ونظيره لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ على إرادة القول وَمَا لَكُمْ جواب القسم جاء بلفظ الخطاب على المطابقة دون الحكاية، والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت، ولعلهم أقسموا بطراً وغروراً أو دل عليه حالهم حيث بنوا شديداً وأملوا بعيداً. وقيل أقسموا أنهم لا ينتقلون إلى دار أخرى وأنهم إذا ماتوا لا يزالون على تلك الحالة إلى حالة أخرى كقوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ.