فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم كقولهم:
بكت عليهم السماء والأرض وكسفت لمهلكهم الشمس في نقيض ذلك. ومنه ما
روي في الأخبار: إن المؤمن ليبكي عليه مصلاه ومحل عبادته ومصعد عمله ومهبط رزقه.
وقيل تقديره فما بكت عليهم أهل السماء والأرض وَما كانُوا مُنْظَرِينَ ممهلين إلى وقت آخر.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ من استعباد فرعون وقتله أبناءهم.
مِنْ فِرْعَوْنَ بدل من الْعَذابِ على حذف المضاف، أو جعله عذاب لإِفراطه في التعذيب، أو حال من المهين بمعنى واقعاً من جهته، وقرئ «مِن فِرْعَوْنَ» على الاستفهام تنكير له لنكر ما كان عليه من الشيطنة. إِنَّهُ كانَ عالِياً متكبراً. مِنَ الْمُسْرِفِينَ في العتو والشرارة، وهو خبر ثان أي كان متكبراً مسرفاً، أو حال من الضمير في عالِياً أي كان رفيع الطبقة من بينهم.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ مَا فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣)
وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ اخترنا بني إسرائيل. عَلى عِلْمٍ عالمين بأنهم أحقاء بذلك، أو مع علم منا بأنهم يزيغون في بَعض الأحوال. عَلَى الْعالَمِينَ لكثرة الأنبياء فيهم أو على عالمي زمانهم.
وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ كفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى. مَا فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ نعمة جلية أو اختبار ظاهر.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥)
إِنَّ هؤُلاءِ يعني كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإِصرار على الضلالة، والإِنذار عن مثل ما حل بهم. لَيَقُولُونَ.
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى ما العاقبة ونهاية الأمر إلا الموتة الأولى المزيلة للحياة الدنيوية، ولا قصد فيه إلى إثبات ثانية كما في قولك. حج زيد الحجة الأولى ومات. وقيل لما قيل إنكم تموتون موتة يعقبها حياة كما تقدم منكم موتة كذلك قالوا إن هي إلا موتتنا الأولى، أي ما الموتة التي من شأنها كذلك إلا الموتة الأولى. وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ بمبعوثين.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧)
فَأْتُوا بِآبائِنا خطاب لمن وعدهم بالنشور من الرسول والمؤمنين. إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في وعدكم ليدل عليه.
أَهُمْ خَيْرٌ في القوة والمنعة. أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند.
وقيل هدمها وكان مؤمناً وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه.
وعنه عليه الصلاة والسلام: «ما أدري أكان تبع نبياً أم غير نبي» .
وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون. وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كعاد وثمود. أَهْلَكْناهُمْ استئناف بمآل قوم تبع، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به. إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ بيان للجامع المقتضي للإهلاك.