الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم، وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة، وركد على أراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها، ودام ذلك عليهم أسبوعاً فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك، فدعا فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله ولم يؤمنوا، فبعث الله عليهم الجراد فأكلت زروعهم وثمارهم، ثم أخذت تأكل الأبواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانياً فدعا وخرج إلى الصحراء، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا، فسلط الله عليهم القمل فأكل ما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصها، ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي، وأفواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود، ثم أرسل الله عليهم الدم فصارت مياههم دماً حتى كان يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على إناء فيكون ما يلي القبطي دماً وما يلي الإسرائيلي ماء، ويمص الماء من فم الإِسرائيلي فيصير دماً في فيه.
وقيل سلط الله عليهم الرعاف. آياتٍ نصب على الحال. مُفَصَّلاتٍ مبينات لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم، أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة أسبوعاً، وقيل إن موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل. فَاسْتَكْبَرُوا عن الإِيمان. وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٥]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥)
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ يعني العذاب المفصل، أو الطاعون الذي أرسله الله عليهم بعد ذلك. قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ بعهده عندك وهو النبوة، أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك في آياتك، وهو صلة لادع أو حال من الضمير فيه بمعنى ادع الله متوسلاً إليه بما عهد عندك، أو متعلق بفعل محذوف دل عليه التماسهم مثل اسعفنا إلى ما نطلب منك بحق ما عهد عندك أو قسم مجاب بقوله: لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن ولنرسلن.
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إلى حد من الزمان هم بالغوه فمعذبون فيه أو مهلكون، وهو وقت الغرق أو الموت. وقيل إلى أجل عينوه لإِيمانهم. إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ جواب لما أي فلما كشفنا عنهم فاجؤوا النكث من غير تأمل وتوقف فيه.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٦ الى ١٣٧]
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا مَا كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فأردنا الانتقام منهم. فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ أي البحر الذي لا يدرك قعره. وقيل لجته.
بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أي كان إغراقهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها. وقيل الضمير للنقمة المدلول عليها بقوله: فَانْتَقَمْنا.