[[سورة هود (١١) : آية ١٧]]
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (١٧)
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ برهان من الله يدله على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره، والهمزة لإنكار أن يعقب من هذا شأنه هؤلاء المقصرين هممهم وأفكارهم على الدنيا وأن يقارب بينهم في المنزلة، وهو الذي أغنى عن ذكر الخبر وتقديره أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ كمن كان يريد الحياة الدنيا، وهو حكم يعم كل مؤمن مخلص. وقيل المراد به النبي صلّى الله عليه وسلّم وقيل مؤمنو أهل الكتاب. وَيَتْلُوهُ ويتبع ذلك البرهان الذي هو دليل العقل. شاهِدٌ مِنْهُ شاهد من الله يشهد بصحته وهو القرآن. وَمِنْ قَبْلِهِ وَمَن قَبل القرآن. كِتابُ مُوسى يعني التوراة فإنها أيضاً تتلوه في التصديق، أو البينة هو القرآن وَيَتْلُوهُ من التلاوة والشاهد جبريل، أو لسان الرسول صلّى الله عليه وسلّم على أن الضمير له أو من التلو والشاهد ملك يحفظه. والضمير في يَتْلُوهُ إما لمن أو للبينة باعتبار المعنى وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى جملة مبتدأة. وقرئ كِتَابٌ بالنصب عطفاً على الضمير في يَتْلُوهُ أي يتلو القرآن شاهد ممن كان على بينة دالة على أنه حق كقوله: وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ويقرأ من قبل القرآن التوراة. إِماماً كتاباً مؤتماً به في الدين. وَرَحْمَةً على المنزل عليهم لأنه الوصلة إلى الفوز بخير الدارين. أُولئِكَ إشارة إلى من كان على بينة. يُؤْمِنُونَ بِهِ بالقرآن. وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ من أهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ يردها لا محالة. فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ من الموعد، أو القرآن وقرئ مِرْيَةٍ بالضم وهما الشك. إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ لقلة نظرهم واختلال فكرهم.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٨ الى ١٩]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً كأن أسند إليه ما لم ينزله أو نفى عنه ما أنزله. أُولئِكَ أي الكاذبون. يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ في الموقف بأن يحبسوا وتعرض أعمالهم. وَيَقُولُ الْأَشْهادُ من الملائكة والنبيين أو من جوارحهم، وهو جمع شاهد كأصحاب أو شهيد كأشراف جمع شريف. هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ تهويل عظيم مما يحيق بهم حينئذ لظلمهم بالكذب على الله.
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن دينه. وَيَبْغُونَها عِوَجاً يصفونها بالانحراف عن الحق والصواب أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة. وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ والحال أنهم كافرون بالآخرة وتكريرهم لتأكيد كفرهم واختصاصهم به.
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٠ الى ٢٢]
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ مَا كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢)
أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ أي ما كانوا معجزين الله في الدنيا أن يعاقبهم. وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يمنعونهم من العقاب ولكنه أخر عقابهم إلى هذا اليوم ليكون أشد وأدوم.