[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧)
قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي طالبتني بالمؤاتاة، وإنما قال ذلك دفعاً لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم، ولو لم تكذب عليه لما قاله. وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قيل ابن عم لها. وقيل ابن خال لها صبياً في المهد.
وعن النبي صلّى الله عليه وسلّم «تكلم أربعة صغاراً ابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام»
وإنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها. إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها، أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه.
وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ لأنه يدل على أنها تبعته فاجتذبت ثوبه فقدته.
والشرطية محكية على إرادة القول أو على أن فعل الشهادة من القول، وتسميتها شهادة لأنها أدت مؤداها والجمع بين إن وكان على تأويل أن يعلم أنه كان ونحوه ونظيره قولك: إن أحسنت إلى اليوم فقد أحسنت إليك من قبل، فإن معناه أن تمنن علي بإحسانك أمنن عليك بإحساني لك السابق. وقرئ «مِن قَبْلُ» «وَمِنْ دُبُرٍ» بالضم لأنهما قطعا عن الإِضافة كقبل وبعد، وبالفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف وبسكون العين.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩)
فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ إن قولك مَا جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً أو إن السوء أو إن هذا الأمر. مِنْ كَيْدِكُنَّ من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء. إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ فإن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيراً في النفس ولأنهن يواجهن به الرجال والشيطان يوسوس به مسارقة.
يُوسُفُ حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث. أَعْرِضْ عَنْ هذا اكتمه ولا تذكره.
وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ يا راعيل. إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمداً والتذكير للتغليب.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٣٠]]
وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠)
وَقالَ نِسْوَةٌ هي اسم لجمع امرأة وتأنيثه بهذا الاعتبار غير حقيقي ولذلك جرد فعله وضم النون لغة فيها. فِي الْمَدِينَةِ ظرف لقال أي أشعن الحكاية في مصر، أو صفة نسوة وكن خمساً زوجة الحاجب والساقي والخباز والسجان وصاحب الدواب. امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ تطلب مواقعة غلامها إياها.
والْعَزِيزِ بلسان العرب الملك وأصل فتى فتي لقولهم فتيان والفتوة شاذة. قَدْ شَغَفَها حُبًّا شق شغاف قلبها وهو حجابه حتى وصل إلى فؤادها حباً، ونصبه على التمييز لصرف الفعل عنه. وقرئ «شعفها» من شعف البعير إذا هنأه بالقطران فأحرقه. إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ في ضلال عن الرشد وبعد عن الصواب.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٣١]]
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)