ذلك التأويل. مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي بالإلهام والوحي وليس من قبيل التكهن أو التنجيم. إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ تعليل لما قبله أي علمني ذلك لأني تركت ملة أولئك.
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أو كلام مبتدأ لتمهيد الدعوة وإظهار أنه من بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الاستماع إليه والوثوق عليه، ولذلك جوز للحامل أن يصف نفسه حتى يعرف فيقتبس منه، وتكرير الضمير للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالآخرة. مَا كانَ لَنا ما صح لنا معشر الأنبياء. أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي شيء كان. ذلِكَ أي التوحيد. مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا بالوحي. وَعَلَى النَّاسِ وعلى سائر الناس يبعثنا لإرشادهم وتثبيتهم عليه. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم. لاَ يَشْكُرُونَ هذا الفضل فيعرضون عنه ولا يتنبهون، أو من فضل الله علينا وعليهم بنصب الدلائل وإنزال الآيات ولكن أكثرهم لا ينظرون إليها ولا يستدلون بها فيلغونها كمن يكفر النعمة ولا يشكرها.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَّآ أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (٤٠)
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أي يا ساكنيه، أو يا صاحبي فيه فأضافهما إليه على الاتساع كقوله:
يَا سَارِقَ اللَّيْلَةَ أَهْلَ الدَّارِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ شتى متعددة متساوية الأقدام. خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ المتوحد بالألوهية. الْقَهَّارُ الغالب الذي لا يعادله ولا يقاومه غيره.
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر. إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ مَّآ أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ أي إلا أشياء باعتبار أسام أطلقتم عليها من غير حجة تدل على تحقق مسمياتها فيها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة. والمعنى أنكم سميتم ما لم يدل على استحقاقه الألوهية عقل ولا نقل آلهة، ثم أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها. إِنِ الْحُكْمُ ما الحكم في أمر العبادة. إِلَّا لِلَّهِ لأنه المستحق لها بالذات من حيث إنه الواجب لذاته الموجد للكل والمالك لأمره. أَمَرَ على لسان أنبيائه.
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ الذي دلت عليه الحجج. ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الحق وأنتم لا تميزون المعوج عن القويم، وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة، بين لهم أولاً رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة، ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها لا تستحق الالهية فإن استحقاق العبادة إما بالذات وإما بالغير وكلا القسمين منتف عنها، ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم الذي لا يقتضي العقل غيره ولا يرتضي العلم دونه. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ فيخبطون في جهالاتهم.
[[سورة يوسف (١٢) : آية ٤١]]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١)
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما يعني الشرابي. فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً كما كان يسقيه قبل ويعود إلى ما كان عليه. وَأَمَّا الْآخَرُ يريد به الخباز. فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ فقالا كذبنا فقال قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ أي قطع الأمر الذي تستفتيان فيه، وهو ما يؤول إليه أمركما ولذلك وحده، فإنهما وإن استفتيا في أمرين لكنهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما.