للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرئ «آيدناه» بالمد بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدسة كقولك: حاتم الجود، ورجل صدق، وأراد به جبريل.

وقيل: روح عيسى عليه الصلاة والسلام، ووصفها به لطهارته عن مس الشيطان، أو لكرامته على الله سبحانه وتعالى ولذلك أضافه الى نفسه تعالى، أو لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث، أو الإنجيل، أو اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى، وقرأ ابن كثير الْقُدُسِ بالإسكان في جميع القرآن أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لاَ تَهْوى أَنْفُسُكُمُ بما لا تحبه. يقال هَوِيَ بالكسر هوى إذا أحب وهوى بالفتح هويا بالضم إذا سقط. ووسطت الهمزة بين الفاء وما تعلقت به توبيخاً لهم على تعقيبهم ذاك بهذا وتعجيباً من شأنهم، ويحتمل أن يكون استئنافاً والفاء للعطف على مقدر، اسْتَكْبَرْتُمْ عن الإيمان واتباع الرسل. فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ كموسى وعيسى عليهما السلام، والفاء للسببية أو للتفصيل وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ كزكريا ويحيى عليهما السلام، وإنما ذكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضاراً لها في النفوس، فإن الأمر فظيع. أو مراعاة للفواصل، أو للدلالة على أنكم بعد فيه فإنكم تحومون حول قتل محمد صلّى الله عليه وسلّم، لولا أني أعصمه منكم، ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٨٨]]

وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)

وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ مغشاة بأغطية خلقية لا يصل إليها ما جئت به ولا تفقهه، مستعار من الأغلف الذي لم يختن وقيل أصله غلف جمع غلاف فخفف، والمعنى أنها أوعية للعلم لا تسمع علماً إلا وعته، ولا تعي ما تقول. أو نحن مستغنون بما فيها عن غيره. بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ رد لما قالوه، والمعنى أنها خلقت على الفطرة والتمكن من قبول الحق، ولكن الله خذلهم بكفرهم فأبطل استعدادهم، أو أنها لم تأب قبول ما تقوله لخلل فيه، بل لأن الله تعالى خذلهم بكفرهم كما قال تعالى: فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ، أو هم كفرة ملعونون، فمن أين لهم دعوى العلم والاستغناء عنك؟ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ فإيماناً قليلاً يؤمنون، وما مزيده للمبالغة في التقليل، وهو إيمانهم ببعض الكتاب. وقيل: أراد بالقلة العدم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٨٩]]

وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (٨٩)

وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعنى القرآن مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ من كتابهم، وقرئ بالنصب على الحال من كتاب لتخصصه بالوصف، وجواب لما، محذوف دل عليه جواب لما الثانية. وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أي يستنصرون على المشركين ويقولون: اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت، في التوراة. أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبياً يبعث منهم، وقد قرب زمانه، والسين للمبالغة والإشعار أن الفاعل يسأل ذلك عن نفسه فَلَمَّا جاءَهُمْ مَّا عَرَفُوا من الحق. كَفَرُوا بِهِ حسداً وخوفاً على الرياسة. فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ أي عليهم، وأتى بالمظهر للدلالة على أنهم لعنوا لكفرهم، فتكون اللام للعهد، ويجوز أن تكون للجنس ويدخلون فيه دخولاً أولياً لأن الكلام فيهم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٩٠]]

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠)

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ما نكرة بمعنى شيء مميزة لفاعل بئس المستكن، واشتروا صفته ومعناه باعوا، أو اشتروا بحسب ظنهم، فإنهم ظنوا أنهم خلصوا أنفسهم من العقاب بما فعلوا. أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ هو المخصوص بالذم بَغْياً طلباً لما ليس لهم وحسداً، وهو علة أَنْ يَكْفُرُوا دون اشْتَرَوْا

<<  <  ج: ص:  >  >>