بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلاً عليهم، وهذا إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة أو كان في أول الإِسلام ثم نسخ بنحو قوله لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ. وقيل نفي للحرج عنهم في القعود عن الجهاد وهو لا يلائم ما قبله ولا ما بعده. وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيها بيوت الأولاد لأن بيت الولد كبيته
لقوله عليه السلام «أنت ومالك لأبيك»
،
وقوله عليه السلام «إن أطيب ما يأكل المؤمن من كسبه وإن ولده من كسبه» .
أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ وهو ما يكون تحت أيديكم وتصرفكم من ضيعة أو ماشية وكالة أو حفظاً. وقيل بيوت المماليك والمفاتح جمع مفتح وهو ما يفتح به وقرئ «مفتاحه» . أَوْ صَدِيقِكُمْ أو بيوت صديقكم فإنهم أرضى بالتبسط في أموالهم وأسر به، وهو يقع على الواحد والجمع كالخليط، هذا كله إنما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ولذلك خصص هؤلاء فإنه يعتاد التبسط بينهم، أو كان ذلك في أول الإِسلام فنسخ فلا احتجاج للحنفية به على أن لا قطع بسرقة مال المحرم. لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً مجتمعين أو متفرقين نزلت في بني ليث ابن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده. أو في قوم من الأنصار إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون إلا معه. أو في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الطبائع في القذارة والنهمة. فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً من هذه البيوت فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ على أهلها الذين هم منكم ديناً وقرابة. تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثابتة بأمره مشروعة من لدنه، ويجوز أن تكون صلة للتحية فإنه طلب الحياة وهي من عنده تعالى وانتصابها بالمصدر لأنها بمعنى التسليم. مُبارَكَةً لأنها يرجى بها زيادة الخير والثواب. طَيِّبَةً تطيب بها نفس المستمع.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لي «متى لقيت أحداً من أمتي فسلم عليه يطل عمرك، وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين» .
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ كرره ثلاثاً لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به وفصل الأولين بما هو المقتضى لذلك وهذا بما هو المقصود منه فقال: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي الحق والخير في الأمور.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أي الكاملون في الإيمان. الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ من صميم قلوبهم. وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور، ووصف الأمر بالجمع للمبالغة وقرئ «أمر جميع» . لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ يستأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيأذن لهم، واعتباره في كمال الإِيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق فإن ديدنه التسلل والفرار، ولتعظيم الجرم في الذهاب عن مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغير إذنه ولذلك أعاده مؤكداً على أسلوب أبلغ فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة وأن الذهاب بغير إذن ليس كذلك. فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ ما يعرض لهم من المهام، وفيه أيضاً مبالغة وتضييق الأمر. فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ تفويض للأمر إلى رأي الرسول صلّى الله عليه وسلّم، واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه ومن منع ذلك قيد المشيئة بأن تكون تابعة لعلمه بصدقه فكأن المعنى: فائذن لمن علمت أن له عذراً. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ بعد الإِذن فإن الاستئذان ولو لعذر قصور لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لفرطات العباد.