تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات. فنزلت
: وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ إلا طاقتهم. وقرئ بالفتح وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه. فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ يستهزئون بهم. سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ جازاهم على سخريتهم كقوله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ على كفرهم.
[[سورة التوبة (٩) : آية ٨٠]]
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم كما نص عليه بقوله:
إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرض أبيه أن يستغفر له، ففعل عليه الصلاة والسلام فنزلت، فقال عليه الصلاة والسلام: لأزيدن على السبعين فنزلت: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.
وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل فجوز أن يكون ذلك حداً يخالفه حكم ما وراءه، فبين له أن المراد به التكثير دون التحديد، وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير، لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد فكأنّه العدد بأسره. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها. وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ المتمردين في كفرهم، وهو كالدليل على الحكم السابق فإن مغفرة الكافر بالإِقلاع عن الكفر والإِرشاد إلى الحق، والمنهمك في كفره المطبوع عليه لا ينقلع ولا يهتدي، والتنبيه على عذر الرسول في استغفاره وهو عدم يأسه من إيمانهم ما لم يعلم أنهم مطبوعون على الضلالة، والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى: مَا كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨١ الى ٨٢]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ بقعودهم عن الغزو خلفه يقال أقام خلاف الحي أي بعدهم، ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة فيكون انتصابه على العلة أو الحال. وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إيثاراً للدعة والخفض على طاعة الله، وفيه تعريض بالمؤمنين الذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج. وَقالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ أي قال بعضهم لبعض أو قالوه للمؤمنين تثبيطاً. قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا وقد آثرتموها بهذه المخالفة. لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ أن مآبهم إليها، أو أنها كيف هي ما اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة.
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم واجب، ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغم والمراد من القلة العدم.