المصدق بالآيات دل على وقوعها، وإذا كان كذلك أمكن الإتيان بآبائهم لكن الحكمة اقتضت أن يعادوا يوم الجمع للجزاء. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ لقلة تفكرهم وقصور نظرهم على ما يحسونه.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تعميم للقدرة بعد تخصيصها. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ أي ويخسر يوم تقوم ويَوْمَئِذٍ بدل منه.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)
وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً مجتمعة من الجثوة وهي الجماعة، أو باركة مستوفزة على الركب. وقرئ «جاذية» أي جالسة على أطراف الأصابع لاستيفازهم. كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا صحيفة أعمالها. وقرأ يعقوب كُلَّ على أنه بدل من الأول وتدعى صفة أو مفعول ثان. الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ محمول على القول.
هذا كِتابُنا أضاف صحائف أعمالهم إلى نفسه لأنه أمر الكتبة أن يكتبوا فيها أعمالهم. يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ يشهد عليكم بما عملتم بلا زيادة ولا نقصان. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ نستكتب الملائكة. مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أعمالكم.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ التي من جملتها الجنة. ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ الظاهر لخلوصه عن الشوائب.
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ أي فيقال لهم ألم يأتكم رسلي أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ، فحذف القول والمعطوف عليه اكتفاء بالمقصود واستغناء بالقرينة. فَاسْتَكْبَرْتُمْ عن الإِيمان بها.
وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ عادتكم الإِجرام.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]
وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣)
وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ يحتمل الموعود به والمصدر. حَقٌّ كائن هو أو متعلقه لا محالة: وَالسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيها إفراد للمقصود، وقرأ حمزة بالنصب عطفاً على اسم إن. قُلْتُمْ مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ أي شيء الساعة استغراباً لها. إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا أصله نظن ظناً فأدخل حرفا النفي والاستثناء لإثبات الظن ونفي ما عداه كأنه قال: ما نحن إلّا نظن ظناً، أو لنفي ظنهم فيما سوى ذلك مبالغة ثم أكده بقوله: وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ أي لإِمكانه، ولعل ذلك قول بعضهم تحيروا بين ما سمعوا من آبائهم وما تليت عليهم من الآيات في أمر الساعة.
وَبَدا لَهُمْ ظهر لهم. سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا على ما كانت عليه بأن عرفوا قبحها وعاينوا وخامة عاقبتها، أو جزاءها. وَحاقَ بِهِمْ مَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وهو الجزاء.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥)