للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ستره، سمي بها عصير العنب والتمر إذا اشتد وغلا كأنه يخمر العقل، كما سمي سكراً لأنه يسكره أي يحجزه، وهي حرام مطلقاً وكذا كل ما أسكر عند أكثر العلماء. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: نقيع الزبيب والتمر إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه ثم اشتد حل شربه ما دون السكر. وَالْمَيْسِرِ أيضاً مصدر كالموعد، سمي به القمار لأنه أخذ مال الغير بيسر أو سلب يساره، والمعنى يسألونك عن تعاطيهما لقوله تعالى: قُلْ فِيهِما أي في تعاطيهما. إِثْمٌ كَبِيرٌ من حيث إنه يؤدي إلى الانتكاب عن المأمور، وارتكاب المحظور. وقرأ حمزة والكسائي «كثير» بالثاء. وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ من كسب المال والطرب والالتذاذ ومصادقة الفتيان، وفي الخمر خصوصاً تشجيع الجبان وتوفير المروءة وتقوية الطبيعة. وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما أي المفاسد التي تنشأ منهما أعظم من المنافع المتوقعة منهما. ولهذا قيل إنها المحرمة للخمر لأن المفسدة إذا ترجحت على المصلحة اقتضت تحريم الفعل، والأظهر أنه ليس كذلك لما مر من إبطال مذهب المعتزلة. وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قيل سائله أيضاً عمرو بن الجموح سأل أولاً عن المنفق والمصرف، ثم سأل عن كيفية الإِنفاق. قُلِ الْعَفْوَ العفو نقيض الجهد ومنه يقال للأرض السهلة، وهو أن ينفق ما تيسر له بذله ولا يبلغ منه الجهد.

قال:

خُذِي العَفْوَ مِنِّي تَسْتَديمي مَوَدَّتي ... وَلاَ تَنْطقِي فِي سَوْرَتي حِيْنَ اغْضَبُ

وروي أن رجلاً أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم ببيضة من ذهب أصابها في بعض المغانم فقال: خذها مني صدقة، فأعرض عليه الصلاة والسلام عنه حتى كرر عليه مراراً فقال: هاتها مغضباً فأخذها فحذفها حذفاً لو أصابه لشجه ثم قال: «يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى»

. وقرأ أبو عمرو برفع الْعَفْوَ. كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أي مثل ما بين أن العفو أصلح من الجهد، أو ما ذكر من الأحكام، والكاف في موضع النصب صفة لمصدر محذوف أي تبييناً مثل هذا التبيين، وإنما وحد العلامة والمخاطب به جمع على تأويل القبيل والجمع، لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في الدلائل والأحكام.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٠]]

فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٠)

فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ في أمور الدارين فتأخذوا بالأصلح والأنفع فيهما، وتجتنبون عما يضركم ولا ينفعكم، أو يضركم أكثر مما ينفعكم. وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى لما نزلت إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً الآية اعتزلوا اليتامى ومخالطتهم والاهتمام بأمرهم فشق ذلك عليهم، فذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فنزلت قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ أي مداخلتهم لإِصلاحهم، أو إصلاح أموالهم خير من مجانبتهم. وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ حث على المخالطة، أي أنهم إخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط الأخ. وقيل المراد بالمخالطة المصاهرة. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وعيد ووعد لمن خالطهم لإِفساد وإصلاح، أي يعلم أمره فيجازيه عليه. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ أي ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم، أي كلفكم ما يشق عليكم، من العنت وهي المشقة ولم يجوز لكم مداخلتكم. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب يقدر على الاعنات. حَكِيمٌ يحكم ما تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢١]]

وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١)

.

<<  <  ج: ص:  >  >>