للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْبِرَّ كل فعل مرضٍ، والخطاب لأهل الكتاب فإنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت، وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته، فرد الله تعالى عليهم وقال ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ولكن البر ما بينه الله واتبعه المؤمنون. وقيل عام لهم وللمسلمين، أي ليس البر مقصوراً بأمر القبلة، أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها، وقرأ حمزة وحفص البر بالنصب وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ أي ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله، أو لكن ذا البر من آمن، ويؤيده قراءة من قرأ ولكن «البار» . والأول أوفق وأحسن. والمراد بالكتاب الجنس، أو القرآن. وقرأ نافع وابن عامر وَلكِنَّ بالتخفيف ورفع الْبِرَّ. وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أي على حب المال،

قال عليه الصلاة والسلام لما سئل أي الصدقة أفضل قال «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر»

. وقيل الضمير لله، أو للمصدر.

والجار والمجرور في موضع الحال. ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى يريد المحاويج منهم، ولم يقيد لعدم الالتباس.

وقدم ذوي القربى لأن إيتاءهم أفضل كما

قال عليه الصلاة والسلام «صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذوي رحمك اثنتان، صدقة وصلة»

. وَالْمَساكِينَ جمع المسكين وهو الذي أسكنته الخلة، وأصله دائم السكون كالمسكير للدائم السكر. وَابْنَ السَّبِيلِ المسافر، سمي به لملازمته السبيل كما سمي القاطع ابن الطريق.

وقيل الضيف لأن السبيل يرعف به. وَالسَّائِلِينَ الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال،

وقال عليه السلام «للسائل حق وإن جاء على فرسه»

. وَفِي الرِّقابِ وفي تخليصها بمعاونة المكاتبين، أو فك الأساري، أو ابتياع الرقاب لعتقها. وَأَقامَ الصَّلاةَ المفروضة. وَآتَى الزَّكاةَ يحتمل أن يكون المقصود منه ومن قوله:

وَآتَى الْمالَ الزكاة المفروضة، ولكن الغرض من الأول بيان مصارفها، ومن الثاني أداؤها والحث عليها.

ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقاً كانت في المال سوى الزكاة.

وفي الحديث «نسخت الزكاة كل صدقة»

. وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا عطف على مَنْ آمَنَ. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ نصبه على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال. وعن الأزهري: البأساء في الأموال كالفقر، والضراء في الأنفس كالمرض. وَحِينَ الْبَأْسِ وقت مجاهدة العدو. أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا في الدين واتباع الحق وطلب البر. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ عن الكفر وسائر الرذائل. والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها، دالة عليها صريحا أو ضمنا، فإنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء:

صحة الاعتقاد، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفس. وقد أشير إلى الأول بقوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ إلى وَالنَّبِيِّينَ. وإلى الثاني بقوله: وَآتَى الْمالَ إلى وَفِي الرِّقابِ وإلى الثالث بقوله: وَأَقامَ الصَّلاةَ إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا إلى إيمانه واعتقاده بالتقوى، اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق. وإليه أشار

بقوله عليه السلام «من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان»

. [سورة البقرة (٢) : آية ١٧٨]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء، وكان لأحدهما طَول على الآخر، فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد

<<  <  ج: ص:  >  >>