لإِلزموا ولذلك نصب أنفسكم. وقرئ بالرفع على الابتداء. لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين، ومن الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته كما
قال عليه الصلاة والسلام «من رأى منكم منكراً واستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» .
والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم، وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت آباءك فنزلت. ولا يَضُرُّكُمْ يحتمل الرفع على أنه مستأنف ويؤيده أن قرئ «لا يضيركم» والجزم على الجواب أو النهي لكنه ضمت الراء إتباعاً لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة وتنصره قراءة من قرأ لاَ يَضُرُّكُمْ بالفتح، ولا يَضُرُّكُمْ بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره. إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أن أحداً لا يؤاخذ بذنب غيره.
[[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٦]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ أي فيما أمرتم شهادة بينكم، والمراد بالشهادة الإِشهاد في الوصية وإضافتها إلى الظرف على الاتساع وقرئ «شَهَادَةً» بالنصب والتنوين على ليقم. إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إذا شارفه وظهرت أماراته وهو ظرف للشهادة. حِينَ الْوَصِيَّةِ بدل منه وفي إبداله تنبيه على أن الوصية مما ينبغي أن لا يتهاون فيه أو ظرف حضر. اثْنانِ فاعل شهادة ويجوز أن يكون خبرها على حذف المضاف.
ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أي من أقاربكم أو من المسلمين وهما صفتان لاثنان. أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ عطف على اثنان، ومن فسر الغير بأهل الذمة جعله منسوخاً فإن شهادته على المسلم لا تسمع إجماعاً. إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أي سافرتم فيها. فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ أي قاربتم الأجل. تَحْبِسُونَهُما تقفونهما وتصبرونهما صفة لآخران والشرط بجوابه المحذوف المدلول عليه بقوله أو آخران من غيركم اعتراض، فائدته الدلالة على أنه ينبغي أن يشهد اثنان منكم فإن تعذر كما في السفر فمن غيركم، أو استئناف كأنه قيل كيف نعمل إن ارتبنا بالشاهدين فقال تحبسونهما. مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ صلاة العصر، لأنه وقت اجتماع الناس وتصادم ملائكة الليل وملائكة النهار. وقيل أي صلاة كانت. فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ إن ارتاب الوارث منكم. لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً مقسم عليه، وإن ارتبتم اعتراض يفيد اختصاص القسم بحال الارتياب. والمعنى لا نستبدل بالقسم أو بالله عرضاً من الدنيا أي لا نحلف بالله كاذباً لطمع. وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى ولو كان المقسم له قريباً منا، وجوابه أيضاً محذوف أي لا نشتري. وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ أي الشهادة التي أمرنا الله بإقامتها، وعن الشعبي أنه وقف على شهادة ثم ابتدأ الله بالمد على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه، وروي عنه بغيره كقولهم الله لأفعلن. إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ أي إن كتمنا. وقرئ «لَمِلاْثِمِين» بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام النون فيها.
[[سورة المائدة (٥) : آية ١٠٧]]
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧)
فَإِنْ عُثِرَ فإن اطلع. عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً أي فعلا ما أوجب إثماً كتحريف. فَآخَرانِ فشاهدان آخران. يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ من الذين جنى عليهم وهم الورثة. وقرأ حفص اسْتَحَقَّ على البناء للفاعل وهو الأوليان. الْأَوْلَيانِ الاحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وهو خبر محذوف أي: هما الأوليان أو خبر آخَرانِ أو مبتدأ خبره آخران، أو بدل منهما أو من الضمير في يقومان.