للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ سلموا مشاركتهم في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومنه عليهم، وفيه دليل على أن النبوة عطائية وأن ترجيح بعض الجائزات على بعض بمشيئة الله تعالى. وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي ليس إلينا الإِتيان بالآيات ولا تستبد به استطاعتنا حتى نأتي بما اقترحتموه، وإنما هو أمر يتعلق بمشيئة الله تعالى فيخص كل نبي بنوع من الآيات. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ فلنتوكل عليه في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم، عمموا الأمر للاشعار بما يوجب التوكل وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً ألا ترى قوله تعالى:

وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ أي: أي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه. وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا التي بها نعرفه ونعلم أن الأمور كلها بيده. وقرأ أبو عمرو بالتخفيف هاهنا وفي «العنكبوت» . وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى مَا آذَيْتُمُونا جواب قسم محذوف أكدوا به توكلهم وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم المسبب عن إيمانهم.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٣ الى ١٤]

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤)

وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا حلفوا على أن يكون أحد الأمرين، إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم، وهو بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط، ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ أي إلى رسلهم. لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ على إضمار القول، أو إجراء الايحاء مجراه لأنه نوع منه.

وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي أرضهم وديارهم كقوله تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا. وقرئ «ليهلكن» «وليسكننكم» بالياء اعتباراً لأوحى كقولك: أقسم زيد ليخرجن. ذلِكَ إشارة إلى الموحى به وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين. لِمَنْ خافَ مَقامِي موقفي وهو الموقف الذي يقيم فيه العباد للحكومة يوم القيامة، أو قيامي عليه وحفظي لأعماله وقيل المقام مقحم.

وَخافَ وَعِيدِ أي وعيدي بالعذاب أو عذابي الموعود للكفار.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٥ الى ١٧]

وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)

وَاسْتَفْتَحُوا سألوا من الله الفتح على أعدائهم، أو القضاء بينهم وبين أعدائهم من الفتاحة كقولِه:

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وهو معطوف على فَأَوْحى والضمير للأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وقيل للكفرة وقيل للفريقين. فإن كلهم سألوه أن ينصر المحق ويهلك المبطل. وقرئ بلفظ الأمر عطفاً على «ليهلكن» . وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أي ففتح لهم فأفلح المؤمنون وخاب كل جبار عات متكبر على الله معاند للحق فلم يفلح، ومعنى الخيبة إذا كان الاستفتاح من الكفرة أو من القبيلين كان أوقع.

مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ أي من بين يديه فطنة مرصد بها واقف على شفيرها في الدنيا مبعوث إليها في الآخرة. وقيل من وراء حياته وحقيقته ما توارى عنك. وَيُسْقى مِنْ ماءٍ عطف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى وَيُسْقى مِنْ ماءٍ. صَدِيدٍ عطف بيان ل ماءٍ وهو ما يسيل من جلود أهل النار.

يَتَجَرَّعُهُ يتكلف جرعه وهو صفة لماء، أو حال من الضمير في يُسْقى وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ ولا يقارب أن يسيغه فكيف يسيغه بل يغص به فيطول عذابه، والسوغ جواز الشراب على الحلق بسهولة وقبول

<<  <  ج: ص:  >  >>