للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ بعد هلاكهم. وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ والإِعادة أسهل عليه من الأصل بالإِضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم وإلا فهما عليه سواء ولذلك قيل الهاء ل الْخَلْقَ، وقيل أَهْوَنُ بمعنى هين وتذكير هو لأهون أو لأن الإِعادة بمعنى أن يعيد. وَلَهُ الْمَثَلُ الوصف العجيب الشأن كالقدرة العامة والحكمة التامة ومن فسره بقول لا إله إلا الله أراد به الوصف بالوحدانية. الْأَعْلى الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه. فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يصفه به ما فيها دلالة ونطقاً. وَهُوَ الْعَزِيزُ القادر الذي لا يعجز عن إبداء ممكن وإعادته. الْحَكِيمُ الذي يجري الأفعال على مقتضى حكمته.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩)

ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ منتزعاً من أحوالها التي هي أقرب الأمور إليكم. هَلْ لَكُمْ مِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ من مماليككم. مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ من الأموال وغيرها. فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ فتكونون أنتم وهم فيه شرعاً يتصرفون فيه كتصرفكم مع أنهم بشر مثلكم وأنها معارة لكم، ومِنْ الأولى للابتداء والثانية للتبعيض والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. تَخافُونَهُمْ أن يستبدوا بتصرف فيه.

كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض. كَذلِكَ مثل ذلك التفصيل. نُفَصِّلُ الْآياتِ نبينها فإن التفصيل مما يكشف المعاني ويوضحها. لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم في تدبر الأمثال.

بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالإِشراك. أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ جاهلين لا يكفهم شيء فإن العالم إذا اتبع هواه ربما ردعه علمه. فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ فمن يقدر على هدايته. وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يخلصونهم من الضلالة ويحفظونهم عن آفاتها.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٣٠ الى ٣١]

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (٣٠) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فقومه له غير ملتفت أو ملتفت عنه، وهو تمثيل للإقبال والاستقامة عليه والاهتمام به. فِطْرَتَ اللَّهِ خلقته نصب على الإِغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها. الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها خلقهم عليها وهي قبولهم للحق وتمكنهم من إدراكه، أو ملة الإِسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وقيل العهد المأخوذ من آدم وذريته. لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ لا يقدر أحد أن يغيره أو ما ينبغي أن يغير. ذلِكَ إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له أو الفطرة إن فسرت بالملة. الدِّينُ الْقَيِّمُ المستقيم الذي لا عوج فيه. وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ استقامته لعدم تدبرهم.

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى، وقيل منقطعين إليه من الناب وهو حال من الضمير في الناصب المقدر لفطرة الله أو في أقم لأن الآية خطاب للرسول صلّى الله عليه وسلّم والأمة لقوله: وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ غير أنها صدرت بخطاب الرسول صلّى الله عليه وسلّم تعظيما له.

[[سورة الروم (٣٠) : آية ٣٢]]

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢)

مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ بدل من المشركين وتفريقهم اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>