سيؤمن به ويتوب عن الكفر. وَمِنْهُمْ مَنْ لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ في نفسه لفرط غباوته وقلة تدبره، أو فيما يستقبل بل يموت على الكفر، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ بالمعاندين أو المصرين.
وَإِنْ كَذَّبُوكَ وإن أصروا على تكذيبك بعد إلزام الحجة. فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ فتبرأ منهم فقد أعذرت، والمعنى لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقاً كان أو باطلاً. أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ لا تؤاخذون بعملي ولا أؤاخذ بعملكم، ولما فيه من إيهام الإِعراض عنهم وتخلية سبيلهم قيل إنه منسوخ بآية السيف.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لاَ يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لاَ يُبْصِرُونَ (٤٣)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكن لا يقبلون كالأصم الذي لا يسمع أصلاً. أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ تقدر على إسماعهم. وَلَوْ كانُوا لاَ يَعْقِلُونَ ولو انضم إلى صممهم عدم تعقلهم. وفيه تنبيه على أن حقيقة استماع الكلام فهم المعنى المقصود منه ولذلك لا توصف به البهائم، وهو لا يتأتى إلا باستعمال العقل السليم في تدبره وعقولهم لما كانت مؤفة بمعارضة الوهم ومشايعة الإلف والتقليد، تعذر إفهامهم الحكم والمعاني الدقيقة فلم ينتفعوا بسرد الألفاظ عليهم غير ما ينتفع به البهائم من كلام الناعق.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ يعاينون دلائل نبوتك ولكن لا يصدقونك. أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ تقدر على هدايتهم. وَلَوْ كانُوا لاَ يُبْصِرُونَ وإن انضم إلى عدم البصر عدم البصيرة فإن المقصود من الإبصار هو الاعتبار والاستبصار والعمدة في ذلك البصيرة، ولذلك يحدس الأعمى المستبصر ويتفطن لما لا يدركه البصير الأحمق. والآية كالتعليل للأمر بالتبري والإعراض عنهم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً بسلب حواسهم وعقولهم. وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بإفسادها وتفويت منافعها عليهم، وفيه دليل على أن للعبد كسباً وأنه ليس بمسلوب الاختيار بالكلية كما زعمت المجبرة، ويجوز أن يكون وعيداً لهم بمعنى أن ما يحيق بهم يوم القيامة من العذاب عدل من الله لا يظلمهم به ولكنهم ظلموا أنفسهم باقتراف أسبابه. وقرأ أبو عمرو والكسائي بالتخفيف ورفع الناس.
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا أو في القبور لهول ما يرون، والجملة التشبيهية في موضع الحال أي يحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة، أو صفة ليوم والعائد محذوف تقديره: كأن لم يلبثوا قبله أو لمصدر محذوف، أي: حشراً كأن لم يلبثوا قبله. يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلاً، وهذا أول ما نشروا ثم ينقطع التعارف لشدة الأمر عليهم وهي حال أخرى مقدرة، أو بيان لقوله: كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا أو متعلق الظرف والتقدير يتعارفون يوم يحشرهم.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ استئناف للشهادة على خسرانهم والتعجب منه، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في يتعارفون على إرادة القول. وَما كانُوا مُهْتَدِينَ لطرق استعمال ما منحوا من المعاون في تحصيل المعارف فاستكسبوا بها جهالات أدت بهم إلى الردى والعذاب الدائم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (٤٧)