محمود كثير المنفعة، وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى، وهاهنا يحتمل أن تكون مقيدة لما يتضمن الدلالة على القدرة، وأن تكون مبينة منبهة على أنه ما من نبت إلا وله فائدة إما وحده أو مع غيره، وكُلِّ لإِحاطة الأزواج وكَمْ لكثرتها.
إِنَّ فِي ذلِكَ إن في إنبات تلك الأصناف أو في كل واحد. لَآيَةً على أن منبتها تام القدرة والحكمة، سابغ النعمة والرحمة. وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ في علم الله وقضائه فلذلك لا ينفعهم أمثال هذه الآيات العظام.
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على الانتقام من الكفرة. الرَّحِيمُ حيث أمهلهم أو العزيز في انتقامه ممن كفر الرحيم لمن تاب وآمن.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١)
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى مقدر باذكر أو ظرف لما بعده. أَنِ ائْتِ أي ائْتِ أو بأن ائْتِ.
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ بالكفر واستعباد بني إسرائيل وذبح أولادهم.
قَوْمَ فِرْعَوْنَ بدل من الأول أو عطف بيان له، ولعل الإِقتصار على القوم للعلم بأن فرعون كان أولى بذلك. أَلا يَتَّقُونَ استئناف أتبعه إرساله إليهم للإِنذار تعجيباً له من إفراطهم في الظلم واجترائهم عليه، وقرئ بالتاء على الالتفات إليهم زجراً لهم وغضباً عليهم، وهم وإن كان غيباً حينئذ أجروا مجرى الحاضرين في كلام المرسل إليهم من حيث إنه مبلغه إليهم وإسماعه مبدأ إسماعهم، مع ما فيه من مزيد الحث على التقوى لمن تدبره وتأمل مورده، وقرئ بكسر النون اكتفاء بها عن ياء الإِضافة، ويحتمل أن يكون بمعنى ألا يا ناس اتقون كقوله: ألا يا اسجدوا.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٢ الى ١٤]
قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)
قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ رتب استدعاء ضم أخيه إليه وإشراكه له في الأمر على الأمور الثلاثة: خوف التكذيب، وضيق القلب انفعالاً عنه، وازدياد الحبسة في اللسان بانقباض الروح إلى باطن القلب عند ضيقه بحيث لا ينطلق، لأنها إذا اجتمعت مسة الحاجة إلى معين يقوي قلبه وينوب منابه متى تعتريه حبسة حتى لا تختل دعوته ولا تنبتر حجته، وليس ذلك تعللاً منه وتوقفاً في تلقي الأمر، بل طلباً لما يكون معونة على امتثاله وتمهيد عذره فيه، وقرأ يعقوب وَيَضِيقُ وَلا يَنْطَلِقُ بالنصب عطفاً على يُكَذِّبُونِ فيكونان من جملة ما خاف منه.
وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ أي تبعة ذنب فحذف المضاف أو سمي باسمه، والمراد قتل القبطي وإنما سماه ذنباً على زعمهم، وهذا اختصار قصته المبسوطة في مواضع. فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ به قبل أداء الرسالة، وهو أيضاً ليس تعللاً وإنما هو استدفاع للبلية المتوقعة، كما إن ذاك استمداد واستظهار في أمر الدعوة وقوله:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٥ الى ١٧]
قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧)
قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إجابة له إلى الطلبتين بوعده لدفع بلائهم اللازم ردعه عن الخوف، وضم أخيه إليه في الإِرسال، والخطاب في فَاذْهَبا على تغليب الحاضر لأنه معطوف على الفعل الذي يدل عليه