النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
أنهم يبعثون إما لعدم علمهم بأنه من مواجب الحكمة التي جرت عادته بمراعاتها، وإما لقصور نظرهم بالمألوف فيتوهمون امتناعه، ثم إنه تعالى بين الأمرين فقال:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ أي يبعثهم لِيُبَيِّنَ لَهُمُ. الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وهو الحق. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ فيما يزعمون، وهو إشارة إلى السبب الداعي إلى البعث المقتضي له من حيث الحكمة، وهو المميز بين الحق والباطل والمحق والمبطل بالثواب والعقاب ثم قال:
إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وهو بيان إمكانه وتقريره أن تكوين الله بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد، وإلاَّ لزم التسلسل فكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده، ونصب ابن عامر والكسائي ها هنا وفي «يس» فيكون عطفاً على نقول أو جوابا للأمر.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢)
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا هم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه المهاجرون ظلمهم قريش فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة وبعضهم إلى المدينة، أو المحبوسون المعذبون بمكة بعد هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم بلال وصهيب وخباب وعمار وعابس وأبو جندل وسهيل رضي الله تعالى عنهم، وقوله. فِي اللَّهِ أي في حقه ولوجهه. لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً مباءة حسنة وهي المدينة أو تبوئة حسنة. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ مما يعجل لهم في الدنيا. وعن عمر رضي الله تعالى عنه: أنه كان إذا أعطى رجلاً من المهاجرين عطاء قال له خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الضمير للكفار أي لو علموا أن الله يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقوهم، أو للمهاجرين أي لو علموا ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم.
الَّذِينَ صَبَرُوا على الشدائد كأذى الكفار ومفارقة الوطن، ومحله النصب أو الرفع على المدح.
وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ منقطعين إلى الله مفوضين إليه الأمر كله.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ رد لقول قريش: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً، أي جرت السنة الإِلهية بأن لا يبعث للدعوة العامة إلا بشراً يوحي إليه على ألسنة الملائكة، والحكمة في ذلك قد ذكرت في سورة «الأنعام» فإن شككتم فيه. فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ أهل الكتاب أو علماء الأخبار ليعلموكم.
إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وفي الآية دليل على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا ملكاً للدعوة العامة وقوله: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا معناه رسلاً إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل لم يبعثوا إلى الأنبياء إلا متمثلين بصورة الرجال.
ورد بما روي: أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل صلوات الله عليه على صورته التي هو عليها مرتين.
وعلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم.