إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لأن ثوابه لها. وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فإن وباله عليها، وإنما ذكرها باللام ازدواجاً. فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ وعد عقوبة المرة الآخرة. لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي بعثناهم لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ أي يجعلوها بادية آثار المساءة فيها، فحذف لدلالة ذكره أولاً عليه. وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر «ليسوء» على التوحيد، والضمير فيه للوعد أو للبعث أو لله، ويعضده قراءة الكسائي بالنون. وقرئ «لنسوأن» بالنون والياء والنون المخففة والمثقلة، و «لنسوأن» بفتح اللام على الأوجه الأربعة على أنه جواب إذا واللام في قوله: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ متعلق بمحذوف هو بعثناهم. كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ليهلكوا. مَا عَلَوْا ما غلبوه واستولوا عليه أو مدة علوهم. تَتْبِيراً ذلك بأن سلط الله عليهم الفرس مرة أخرى فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه جودرز، وقيل حردوس قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرا بينهم فوجد فيه دماً يغلي فسألهم عنه فقالوا: دم قربان لم يقبل منا فقال: ما صدقوني فقتل عليه ألوفاً منهم فلم يهدأ الدم، ثم قال إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحداً، فقالوا: إنه دم يحيى فقال لمثل هذا ينتقم ربكم منكم، ثم قال يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك، فاهدأ بإذن الله تعالى قبل أن لا أبقي أحداً منهم فهدأ.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٨]]
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (٨)
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ بعد المرة الآخرة. وَإِنْ عُدْتُمْ نوبة أخرى. عُدْنا مرة ثالثة إلى عقوبتكم وقد عادوا بتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقصد قتله فعاد الله تعلى بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير، وضرب الجزية على الباقين هذا لهم في الدنيا. وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً محبساً لا يقدرون على الخروج منها أبدا الآباد. وقيل بساطاً كما يبسط الحصير.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠)
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ للحالة أو الطريقة التي هي أقوم الحالات أو الطرق. وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً وقرأ حمزة والكسائي وَيُبَشِّرُ بالتخفيف.
وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً عطف على أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، والمعنى أنه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم، أو على يُبَشِّرُ بإضمار يخبر.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ١١]]
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ ويدعو الله تعالى عند غضبه بالشر على نفسه وأهله وماله، أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر. دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ مثل دعائه بالخير. وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يسارع إلى كل ما يخطر بباله لا ينظر عاقبته. وقيل المراد آدم عليه الصلاة والسلام فإنه لما انتهى الروح إلى سرته ذهب لينهض فسقط.
روي: أنه عليه السلام دفع أسيراً إلى سودة بنت زمعة فرحمته لأنينه فأرخت كتافه، فهرب فدعا عليها بقطع اليد ثم ندم فقال عليه السلام: اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة له فنزلت.
ويجوز أن يريد بالإِنسان الكافر وبالدعاء استعجاله بالعذاب استهزاء كقول النضر بن الحرث: اللهم انصر خير الحزبين، اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الآية. فأجيب له فضرب عنقه صبراً يوم بدر.