وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ومثل ذلك الفتن، وهو اختلاف أحوال الناس في أمور الدنيا. فَتَنَّا أي ابتلينا بعضهم ببعض في أمر الدين فقدمنا هؤلاء الضعفاء على أشراف قريش بالسبق إلى الإِيمان. لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أي أهؤلاء من أنعم الله عليهم بالهداية والتوفيق لما يسعدهم دوننا، ونحن الأكابر والرؤساء وهم المساكين والضعفاء. وهو إنكار لأن يخص هؤلاء من بينهم بإصابة الحق والسبق إلى الخير كقولهم: لَوْ كانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونا إِلَيْهِ. واللام للعاقبة أو للتعليل على أن فتنا متضمن معنى خذلنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ بمن يقع منه الإِيمان والشكر فيوفقه وبمن لا يقع منه فيخذله.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٤]]
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ الذين يؤمنون هم الذين يدعون ربهم وصفهم بالإِيمان بالقرآن واتباع الحجج بعد ما وصفهم بالمواظبة على العبادة، وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله بعد النهي عن طردهم، إيذاناً بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرب ولا يطرد، ويعز ولا يذل، ويبشر من الله بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة.
وقيل إن قوماً جاءوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنا أصبنا ذنوباً عظاماً فلم يرد عليهم شيئاً فانصرفوا فنزلت.
أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً استئناف بتفسير الرحمة. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالفتح على البدل منها. بِجَهالَةٍ في موضع الحال أي من عمل ذنباً جاهلاً بحقيقة ما يتبعه من المضار والمفاسد، كعمر فيما أشار إليه، أو ملتبساً بفعل الجهالة فإن ارتكاب ما يؤدي إلى الضرر من أفعال أهل السفه والجهل. ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ بعد العمل أو السوء. وَأَصْلَحَ بالتدارك والعزم على أن لا يعود إليه. فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فتحه من فتح الأول غير نافع على إضمار مبتدأ أو خبر أي فأمره أو فله غفرانه.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٥]]
وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥)
وَكَذلِكَ ومثل ذلك التفصيل الواضح. نُفَصِّلُ الْآياتِ أي آيات القرآن في صفة المطيعين والمجرمين المصرين منهم والأوابين. وليستبين سَبِيلُ المجرمين قرأ نافع بالتاء ونصب السبيل على معنى ولتستوضح يا محمد سبيلهم فتعامل كلا منهم بما يحق له فصلنا هذا التفصيل، وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحفص عن عاصم برفعه على معنى ولنبين سبيلهم، والباقون بالياء والرفع على تذكير السبيل فإنه يذكر ويؤنث، ويجوز أن يعطف على علة مقدرة أي نفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٦]]
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ صرفت وزجرت بما نصب لي من الأدلة وأنزل علي من الآيات في أمر التوحيد. أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عن عبادة ما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله، أو ما تدعونها آلهة أي تسمونها. قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ تأكيد لقطع أطماعهم وإشارة إلى الموجب للنهي وعلة الامتناع عن متابعتهم واستجهال لهم، وبيان لمبدأ ضلالهم وأن ما هم عليه هوى وليس بهدى، وتنبيه لمن تحرى الحق على أن يتبع الحجة ولا يقلد. قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً أي إن اتبعت أهواءكم فقد ضللت. وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أي في شيء من الهدى حتى أكون من عدادهم، وفيه تعريض بأنهم كذلك.