[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٥]]
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٣٥)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ولا تبخسوا فيه وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ بالميزان السوي، وهو رومي عرب ولا يقدح ذلك في عربية القرآن، لأن العجمي إذا استعملته العرب وأجرته مجرى كلامهم في الإِعراب والتعريف والتنكير ونحوها صار عربياً. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بكسر القاف هنا وفي «الشعراء» . ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا وأحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع.
[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٦]]
وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (٣٦)
وَلا تَقْفُ ولا تتبع وقرئ «وَلاَ تَقْفُ» من قاف أثره إذا قفاه ومنه القافة. مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ما لم يتعلق به علمك تقليداً أو رجماً بالغيب، واحتج به من منع اتباع الظن وجوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند، سواء كان قطعاً أو ظناً واستعماله بهذا المعنى سائغ شائع. وقيل إنه مخصوص بالعقائد. وقيل بالرمي وشهادة الزور ويؤيده
قوله عليه الصلاة والسلام «من قفا مؤمناً بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج» .
وقول الكميت:
وَلاَ أَرْمِي البَرِيء بِغَيْرِ ذَنْب ... وَلاَ أَقْفُو الحَواصِنَ إِنْ قفينا
إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسؤولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها، هذا وإن أولاء وإن غلب في العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا وهو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله:
وَالعَيْشُ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَيَامِ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسؤولاً عن نفسه، يعني عما فعل به صاحبه، ويجوز أن يكون الضمير في عنه لمصدر لا تَقْفُ أو لصاحب السمع والبصر. وقيل مَسْؤُلًا مسند إلى عَنْهُ كقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ والمعنى يسأل صاحبه عنه، وهو خطأ لأن الفاعل وما يقوم مقامه لا يتقدم، وفيه دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية. وقرئ وَالْفُؤادَ بقلب الهمزة واواً بعد الضمة ثم إبدالها بالفتح.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)
وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي ذا مرح وهو الاختيال. وقرئ مَرَحاً وهو باعتبار الحكم أبلغ وإن كان المصدر آكد من صريح النعت. إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقاً بشدة وطأتك. وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك وهو تهكم بالمختال، وتعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل.
كُلُّ ذلِكَ إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة. من قوله تعالى: لاَّ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السلام. كانَ سَيِّئُهُ يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه. وقرأ الحجازيان والبصريان سَيِّئُهُ على أنها خبر كانَ والاسم ضمير كُلُّ، وذلِكَ إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله: عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً بدل من سَيِّئُهُ أو صفة لها محمولة على المعنى، فإنه بمعنى سيئا وقد قرئ به، ويجوز أن ينتصب مكروهاً على الحال من المستكن في كانَ أو في الظرف على أنه صفة سَيِّئُهُ، والمراد به المبغوض المقابل