فبعث إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالداً فهرب بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه.
وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه سبع فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم فرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة زوجة مسيلمة، وكندة قوم الأشعث بن قيس، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد وكفى الله أمرهم على يده، وفي إمرة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غسان قوم جبلة بن الأيهم تنصر وسار إلى الشام. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ قيل هم أهل اليمن لما
روي (أنه عليه الصلاة والسلام أشار إلى أبي موسى الأشعري وقال:
هم قوم هذا) .
وقيل الفرس لأنه عليه الصلاة والسلام سُئل عنهم فضرب يده على عاتق سلمان وقال: هذا وذووه.
وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية ألفان من النخع وخمسة آلاف من كندة وبجيله، وثلاثة آلاف من أفناء الناس. والراجع إلى من محذوف تقديره فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة، ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز عن معاصيه. أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عاطفين عليهم متذللين لهم، جمع ذليل لا ذلول فإن جمعه ذلل، واستعماله مع على إما لتضمنه معنى العطف والحنو أو للتنبيه على أنهم مع علو طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خاضعون لهم أو للمقابلة. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ شداد متغلبين عليهم من عزه إذا غلبه، وقرئ بالنصب على الحال.
يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صفة أخرى لقوم، أو حال من الضمير في أعزة. وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ عطف على يجاهدون بمعنى أنهم الجامعون بين المجاهدة في سبيل الله والتصلب في دينه، أو حال بمعنى أنهم مجاهدون وحالهم خلاف حال المنافقين، فإنهم يخرجون في جيش المسلمين خائفين ملامة أوليائهم من اليهود فلا يعملون شيئاً يلحقهم فيه لوم من جهتهم، واللومة المرة من اللوم وفيها وفي تنكير لائم مبالغتان. ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من الأوصاف. فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يمنحه ويوفق له وَاللَّهُ واسِعٌ كثير الفضل.
عَلِيمٌ بمن هو أهله.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٥٥ الى ٥٦]
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ (٥٦)
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا لما نهى عن موالاة الكفرة ذكر عقيبه من هو حقيق بها، وإنما قال وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَلم يقل أولياؤكم للتنبيه على أن الولاية لله سبحانه وتعالى على الأصالة ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين على التبع. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ صفة للذين آمنوا فإنه جرى مجرى الاسم، أو بدل منه ويجوز نصبه ورفعه على المدح. وَهُمْ راكِعُونَ متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل هو حال مخصوصة بيؤتون، أي يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعه إليه، وإنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه. واستدل بها الشيعة على إمامته زاعمين أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، والظاهر ما ذكرناه مع أن حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر وإن صح أنه نزل فيه فلعله جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه، وعلى هذا يكون دليل على أن الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها وأن صدقة التطوع تسمى زكاة.
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ومن يتخذهم أولياء. فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ أي فإنهم هم الغالبون، ولكن وضع الظاهر موضع المضمر تنبيهاً على البرهان عليه فكأنه قيل: ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتنويهاً بذكرهم وتعظيماً لشأنهم وتشريفاً لهم بهذا الاسم، وتعريضاً لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان. وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حَزَّ بِهِمْ.