للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا أَصابَكَ يا إنسان. مِنْ حَسَنَةٍ مّن نّعْمَةٍ. فَمِنَ اللَّهِ أي تفضلاً منه، فإن كل ما يفعله الإِنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود، فكيف يقتضي غيره، ولذلك

قال عليه الصلاة والسلام: «ما يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى. قيل ولا أنت قال: ولا أنا» .

وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ من بلية. فَمِنْ نَفْسِكَ لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي، وهو لا ينافي قوله سبحانه وتعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فإن الكل منه إيجاداً وإيصالاً غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها «ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب وما يعفو الله أكثر» . والآيتان كما ترى لا حجة فيهما لنا وللمعتزلة. وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا حال قصد بها التأكيد إن علق الجار بالفعل والتعميم إن علق بها أي رسولاً للناس جميعاً كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ ويجوز نصبه على المصدر كقوله: وَلاَ خَارِجاً مِنْ فيَّ زُور كَلاَمِ. وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً على رسالتك بنصب المعجزات.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٠ الى ٨١]

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١)

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ لأنه عليه الصلاة والسلام في الحقيقة مبلغ، والأمر هو الله سبحانه وتعالى.

روي (أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله» . فقال:

المنافقون لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه، ما يريد إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى رباً) فنزلت.

وَمَنْ تَوَلَّى عن طاعته. فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب وهو حال من الكاف.

وَيَقُولُونَ إذا أمرتهم بأمر. طاعَةٌ أي أمرنا أو منا طاعة، وأصلها النصب على المصدر ورفعها للدلالة على الثبات. فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ خرجوا. بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ أي زورت خلاف ما قلت لها، أو ما قالت لك من القبول وضمان الطاعة، والتبييت إما من البيتوتة لأن الأمور تدبر بالليل، أو من بيت الشعر، أو البيت المبني لأنه يسوي ويدبر. وقرأ أبو عمرو وحمزة بَيَّتَ طائِفَةٌ بالإِدغام لقربهما في المخرج. وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ يثبته في صحائفهم للمجازاة، أو في جملة ما يوحى إليك لتطلع على أسرارهم. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ قلل المبالاة بهم أو تجاف عنهم. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ في الأمور كلها سيما في شأنهم. وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا يكفيك مضرتهم وينتقم لك منهم.

[[سورة النساء (٤) : آية ٨٢]]

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢)

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه، وأصل التدبر النظر في أدبار الشيء. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ أي ولو كان من كلام البشر كما تزعم الكفار. لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً من تناقض المعنى وتفاوت النظم، وكان بعضه فصيحاً وبعضه ركيكاً، وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل، ومطابقة بعض أخباره المستقبلة للواقع دون بعض، وموافقة العقل لبعض أحكامه دون بعض، على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية. ولعل ذكره ها هنا للتنبيه على أن اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم بل لاختلاف الأحوال في الحكم والمصالح.

[[سورة النساء (٤) : آية ٨٣]]

وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>