من سبط افرائيم بن يوسف.
وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ بالنصرة لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ أي نصرتموهم وقويتموهم وأصله الذب ومنه التعزيز. وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً بالإِنفاق في سبيل الخير وقرضاً يحتمل المصدر والمفعول. لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ جواب للقسم المدلول عليه باللام في لئن ساد مسد جواب الشرط. وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ بعد ذلك الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم. مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ ضلالاً لا شبهة فيه ولا عذر معه بخلاف من كفر قبل ذلك، إذ قد يمكن أن يكون له شبهة ويتوهم له معذرة.
[[سورة المائدة (٥) : آية ١٣]]
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣)
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ طردناهم من رحمتنا، أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية. وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً لا تنفعل عن الآيات والنذر. وقرأ حمزة والكسائي «قسية» وهي إما مبالغة قاسِيَةً أو بمعنى رديئة من قولهم درهم قسي إذا كان مغشوشاً، وهو أيضاً من القسوة فإن المغشوش فيه يبس وصلابة وقرئ «قسية» بإتباع القاف للسين. يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ استئناف لبيان قسوة قلوبهم، فإنه لا قسوة أشد من تغيير كلام الله سبحانه وتعالى والافتراء عليه، ويجوز أن يكون حالاً من مفعول لَعَنَّاهُمْ لا من القلوب إذ لا ضمير له فيه. وَنَسُوا حَظًّا وتركوا نصيباً وافياً. مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ من التوراة، أو من اتباع محمد صلّى الله عليه وسلّم، والمعنى أنهم حرفوا التوراة وتركوا حظهم مما أنزل عليهم فلم ينالوه، وقيل معناه أنهم حرفوها فزلت بشؤمه أشياء منها عن حفظهم، لما روي أن ابن مسعود قال: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية.
وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ خيانة منهم، أو فرقة خائنة أو خائن والتاء للمبالغة. والمعنى أن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم لا تزال ترى ذلك منهم. إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ لم يخونوا وهم الذين آمنوا منهم، وقيل استثناء من قوله: وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إن تابوا وآمنوا أو عاهدوا والتزموا الجزية. وقيل: مطلق نسخ بآية السيف. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تعليل للأمر بالصفح وحث عليه وتنبيه على أن العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلاً عن العفو عن غيره.
[[سورة المائدة (٥) : آية ١٤]]
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤)
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ أي وأخذنا من النصارى ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم، وقيل تقديره ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا، وإنما قال قالوا إنا نصارى ليدل على أنهم سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله سبحانه وتعالى. فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا فألزمنا من غري بالشيء إذا لصق به. بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ بين فرق النصارى، وهم نسطورية ويعقوبية وملكانية، أو بينهم وبين اليهود. وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بالجزاء والعقاب.
[[سورة المائدة (٥) : آية ١٥]]
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (١٥)
يَا أَهْلَ الْكِتابِ يعني اليهود والنصارى، ووحد الكتاب لأنه للجنس. قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ