غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
ذم لهم على سوء نظرهم وخطأ رأيهم، فإنهم اغتروا بالحياة الدنيوية واللذات المخدجة، وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والاستسلام للعذاب المخلد تحذير للسامعين من مثل حالهم.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣١ الى ١٣٢]
ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٣٢)
ذلِكَ إشارة إلى إرسال الرسل، وهو خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك. أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ تعليل للحكم وأن مصدرية أو مخففة من الثقيلة أي: الأمر ذلك لانتفاء كون ربك أو لأن الشأن لم يكن ربك مهلك أهل القرى بسبب ظلم فعلوه، أو ملتبسين يظلم أو ظالماً وهم غافلون لم ينبهوا برسول أو بدل من ذلك.
وَلِكُلٍّ من المكلفين. دَرَجاتٌ مراتب مِمَّا عَمِلُوا من أعمالهم أو من جزائها، أو من أجلها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب. وقرأ ابن عامر بالتاء على تغليب الخطاب على الغيبة.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٣٣ الى ١٣٤]
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَّا يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤)
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن العباد والعبادة. ذُو الرَّحْمَةِ يترحم عليهم بالتكليف تكميلاً لهم ويمهلهم على المعاصي، وفيه تنبيه على أن ما سبق ذكره من الإرسال ليس لنفعه بل لترحمه على العباد وتأسيس لما بعده وهو قوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي ما به إليكم حاجة إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أيها العصاة. وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَّا يَشاءُ من الخلق. كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ أي قرنا بعد قرن لكنه أبقاكم ترحما عليكم.
إِنَّ ما تُوعَدُونَ من البعث وأحواله. لَآتٍ لكائن لا محالة. وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ طالبكم به.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٥]]
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ على غاية تمكنكم واستطاعتكم يقال مكن مكانة إذا تمكن أبلغ التمكن، أو على ناحيتكم وجهتكم التي أنتم عليها من قولهم مكان ومكانة كمقام ومقامة. وقرأ أبو بكر عن عاصم مكاناتكم بالجمع في كل القرآن وهو أمر تهديد، والمعنى: اثبتوا على كفركم وعداوتكم. إِنِّي عامِلٌ ما كنت عليه من المصابرة والثبات على الإسلام، والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد كأن المهدد يريد تعذيبه مجمعاً عليه فيحمله بالأمر على ما يفضي به، إليه، وتسجيل بأن المهدد لا يتأتى منه إلا الشر كالمأمور به الذي لا يقدر أن ينقضي عنه. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إن جعل مَنْ استفهامية بمعنى أينا تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار، فمحلها الرفع وفعل العلم معلق عنه وإن جعلت خبرية فالنصب ب تَعْلَمُونَ أي فسوف تعرفون الذي تَكُونُ لَهُ عاقبة الدار، وفيه مع الإِنذار إنصاف في المقال وحسن الأدب، وتنبيه على وثوق المنذر بأنه محق. وقرأ حمزة والكسائي يَكُونَ بالياء لأن تأنيث العاقبة غير حقيقي. إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وضع الظالمين موضع الكافرين لأنه أعم وأكثر فائدة.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٣٦]]
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣٦)