إِذَا حَاوَلْتَ فِي أَسَدٍ فُجُورا ... فَإِنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِني
على معنى أن أمهات النساء وبناتهن متصلات بهن، لكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم فرق بينهما
فقال في رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها «إنه لا بأس أن يتزوج ابنتها ولا يحل له أن يتزوج أمها»
. وإليه ذهب عامة العلماء، غير أنه روي عن علي رضي الله تعالى عنه تقييد التحريم فيهما. ولا يجوز أن يكون الموصول الثاني صفة للنساءين لأن عاملهما مختلف، وفائدة قوله فِي حُجُورِكُمْ تقوية العلة وتكميلها، والمعنى أن الربائب إذا دخلتم بأمهاتهن وهن في احتضانكم أو بصدده تقوى الشبه بينها وبين أولادكم وصارت أحقاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة، وإليه ذهب جمهور العلماء.
وقد روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه جعله شرطاً، والأمهات والربائب يتناولان القريبة والبعيدة،
وقوله دخلتم بهن أي دخلتم معهن الستر وهي كناية عن الجماع، ويؤثر في حرمة المصاهرة ما ليس بزنا كالوطء بشبهة، أو ملك يمين. وعند أبي حنيفة لمس المنكوحة ونحوه كالدخول. فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ تصريح بعد إشعار دفعاً للقياس.
وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ زوجاتهم، سميت الزوجة حليلة لحلها أو لحلولها مع الزوج. الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ احتراز عن المتبنين لا عن أبناء الولد وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ في موضع الرفع عطفاً على المحرمات، والظاهر أن الحرمة غير مقصورة على النكاح فإن المحرمات المعدودة كما هي محرمة في النكاح فهي محرمة في ملك اليمين، ولذلك
قال عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما: حرمتهما آية وأحلتهما آية، يعنيان هذه الآية
. وقوله: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فرجح على كرم الله وجهه التحريم، وعثمان رضي الله عنه التحليل.
وقول علي أظهر لأن آية التحليل مخصوصة في غير ذلك
ولقوله عليه الصلاة والسلام «ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام»
. إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ استثناء من لازم المعنى، أو منقطع معناه لكن ما قد سلف مغفور لقوله: إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
[[سورة النساء (٤) : آية ٢٤]]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤)
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ذوات الأزواج، أحصنهن التزويج أو الأزواج. وقرأ الكسائي بكسر الصاد في جميع القرآن لأنهن أحصن فروجهن. إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يريد مَّا مَلَكَتْ أيمانكم من اللاتي سبين ولهن أزواج كفار فهن حلال للسابين، والنكاح مرتفع بالسبي
لقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه: أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهن أزواج كفار، فكرهنا أن نقع عليهن فسألنا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت الآية فاستحللناهن.
وإياه عنى الفرزدق بقوله:
وَذَات حَلِيلٍ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا ... حَلاَلٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطَلَّقِ
وقال أبو حنيفة لو سبي الزوجان لم يرتفع النكاح ولم تحل للسابي. وإطلاق الآية والحديث حجة عليه. كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ مصدر مؤكد، أي كتب الله عليكم تحريم هؤلاء كتابا. وقرئ «كتب» الله بالجمع والرفع أي هذه فرائض الله عليكم «وكتب الله» بلفظ الفعل. وَأُحِلَّ لَكُمْ عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم على البناء للمفعول عطفاً على حُرِّمَتْ. مَّا وَراءَ ذلِكُمْ ما سوى المحرمات الثمان المذكورة. وخص عنه بالسنة ما في معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاع، والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها. أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلكم إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصرف في مهورهن، أو أثمانهن في حال كونكم محصنين غير مسافحين، ويجوز أن لا يقدر مفعول تبتغوا وكأنه قيل إرادة أن يصرفوا أموالكم محصنين غير