[[سورة النساء (٤) : آية ١١٥]]
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥)
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ يخالفه، من الشق فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر. مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات. وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ
غير ما هم عليه من اعتقاد أو عمل. نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى نجعله والياً لما تولى من الضلال، ونخل بينه وبين ما اختاره. وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وندخله فيها. وقرئ بفتح النون من صلاة. وَساءَتْ مَصِيراً جهنم، والآية تدل على حرمة مخالفة الإِجماع، لأنه سبحانه وتعالى رتب الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين، وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما، والثاني باطل إذ يقبح أن يقال من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحد، وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرماً كان اتباع سبيلهم واجباً، لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم، وقد استقصيت الكلام فيه في مرصاد الأفهام إلى مبادئ الأحكام.
[[سورة النساء (٤) : آية ١١٦]]
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦)
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ كرره للتأكيد، أو لقصة طعمة. وقيل جاء شيخ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: إني شيخ منهمك في الذنوب ألا أني لم أشرك بالله شيئاً منذ عرفته وآمنت به ولم اتخذ من دونه ولياً، ولم أوقع المعاصي جرأة، وما توهمت طرفة عين أني أعجز الله هرباً، وإني لنادم تائب فما ترى حالي عند الله سبحانه وتعالى. فنزلت وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً عن الحق فإن الشرك أعظم أنواع الضلالة وأبعدها عن الصواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى فقد افترى لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم كان نوع افتراء وهو دعوى التبني على الله سبحانه وتعالى.
[[سورة النساء (٤) : آية ١١٧]]
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧)
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً يعني اللات والعزى ومناة ونحوها، كان لكل حي صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان وذلك إما لتأنيث أسمائها كما قال:
وَمَا ذَكَرٌ فَإِنْ يَسْمَنْ فَأُنْثَى ... شَدِيد الأزمِ لَيْسَ لَهُ ضُرُوسٌ
فَإِنه عنى القراد وهو ما كان صغيراً سمي قراداً فإذا كبر سمي حلمة، أو لأنها كانت جمادات والجمادات تؤنث من حيث إنها ضاهت الإِناث لا نفعاً لها، ولعله سبحانه وتعالى ذكرها بهذا الاسم تنبيهاً على أنهم يعبدون ما يسمونه إناثاً لأنه ينفعل ولا يفعل، ومن حق المعبود أن يكون فاعلاً غير منفعل ليكون دليلاً على تناهي جهلهم وفرط حماقتهم. وقيل المراد الملائكة لقولهم: الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى، وهو جمع أنثى كرباب وربي، وقرئ «أنثى» على التوحيد وأنثا على أنه جمع أنيث كخبث وخبيث، ووثنا بالتخفيف ووثناً بالتثقيل وهو جمع وثن كأسد وأسد وأسد وأثنا أثنا بهما على قلب الواو لضمها همزة. وَإِنْ يَدْعُونَ وإن يعبدون بعبادتها. إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً لأنه الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم عليها، فكأن طاعته في ذلك عبادة له، والمارد والمريد الذي لا يعلق بخير. وأصل التركيب للملابسة. ومنه رْحٌ مُمَرَّدٌ
وغلام أمرد وشجرة مرداء للتي تناثر ورقها.
[[سورة النساء (٤) : آية ١١٨]]
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨)