رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي أي بعض ذريتي أو ذرية من ذريتي فحذف المفعول وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم. بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ يعني وادي مكة فإنها حجرية لا تنبت. عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ الذي حرمت التعرض له والتهاون به، أو لم يزل معظماً ممنعاً يهابه الجبابرة، أو منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذلك سمي عتيقاً أي أعتق منه. ولو دعا بهذا الدعاء أول ما قدم فلعله قال ذلك باعتبار ما كان أو ما سيؤول إليه.
روي أن هاجر كانت لسارة رضي الله عنها فوهبتها لإبراهيم عليه السلام فولدت منه إسماعيل عليه السلام، فغارت عليهما فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله عين زمزم، ثم إن جرهم رأوا ثم طيوراً فقالوا لا طير إلا على الماء، فقصدوه فرأوهما وعندهما عين فقالوا أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت.
رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ اللام لام كي وهي متعلقة ب أَسْكَنْتُ أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم.
وتكرير النداء وتوسيطه للاشعار بأنها المقصودة بالذات من إسكانهم ثمة، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها.
وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإِقامة وسأل من الله تعالى أن يوفقهم لها. فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ أي أفئدة من أفئدة الناس، ومِنْ للتبعيض ولذلك قيل لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليهم فارس والروم ولحجت اليهود والنصارى، أو للابتداء كقولك: القلب مني سقيم أي أفئدة ناس. وقرأ هشام «أفئيدة» بخلف عنه بياء بعد الهمزة. وقرئ «آفدة» وهو يحتمل أن يكون مقلوب «أفئدة» كآدر في أدؤر وأن يكون اسم فاعل من أفدت الرحلة إذا عجلت أي جماعة يعجلون نحوهم «وأفدة» بطرح الهمزة للتخفيف، وإن كان الوجه فيه إخراجها بين بين ويجوز أن يكون من أفد. تَهْوِي إِلَيْهِمْ تسرع إليهم شوقاً ووداداً. وقرئ «تهوى» على البناء للمفعول من أهوى إليه غيره و «تهوى» من هوى يهوي إذا أحب، وتعديته بإلى لتضمنه معنى النزوع. وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ مع سكناهم وادياً لا نبات فيه. لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ تلك النعمة، فأجاب الله عز وجل دعوته فجعله حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء حتى توجد فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩)
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ تعلم سرنا كما تعلم علننا، والمعنى إنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأرحم بنا منا بأنفسنا، فلا حاجة لنا إلى الطلب لكنا ندعوك إظهاراً لعبوديتك وافتقاراً إلى رحمتك واستعجالاً لنيل ما عندك. وقيل ما نخفي من وجد الفرقة وما نعلن من التضرع إليك والتوكل عليك، وتكرير النداء للمبالغة في التضرع واللجأ إلى الله تعالى. وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ لأنه العالم بعلم ذاتي يستوي نسبته إلى كل معلوم، ومن للاستغراق.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ أي وهب لي وأنا كبير آيس من الولد، قيد الهبة بحال الكبر استعظاماً للنعمة وإظهاراً لما فيها من آلائه. إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ.
روي أنه ولد له إسماعيل لتسع وتسعين سنة وإسحاق لمائة واثنتي عشرة سنة.
إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ أي لمجيبه من قولك سمع الملك كلامي إذا اعتد به، وهو من أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل أضيف إلى مفعوله أو فاعله على إسناد السماع إلى دعاء الله تعالى على المجاز، وفيه إشعار بأنه دعا ربه وسأل منه الولد فأجابه ووهب له سؤله حين ما وقع اليأس منه ليكون من أجل النعم وأجلاها.