فيها، وجمع داخِرُونَ بالواو لأن من جملتها من يعقل، أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء. وقيل المراد ب الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ يمين الفلك وهو جانبه الشرقي لأن الكواكب تظهر منه آخذة في الارتفاع والسطوع وشماله هو الجانب الغربي المقابل له من الأرض، فإن الظلال في أول النهار تبتدئ من المشرق واقعة على الربع الغربي من الأرض، وعند الزوال تبتدئ من المغرب واقعة على الربع الشرقي من الأرض.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أي ينقاد انقياداً يعم الانقياد لإرادته وتأثيره طبعاً والانقياد لتكليفه وأمره طوعاً ليصح إسناده إلى عامة أهل السموات والأرض وقوله: مِنْ دابَّةٍ بيان لهما لأن الدبيب هو الحركة الجسمانية سواء كانت في أرض أو سماء. وَالْمَلائِكَةُ عطف على المبين به عطف جبريل على الملائكة للتعظيم، أو عطف المجردات على الجسمانيات، وبه احتج من قال إن الملائكة أرواح مجردة أو بيان لما في الأرض والملائكة تكرير لما في السموات وتعيين له إجلالاً وتعظيماً، أو المراد بها ملائكتها من الحفظة وغيرهم، وما لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق من تغليباً للعقلاء. وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ.
يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ يخافونه أن يرسل عذاباً من فوقهم، أو يخافونه وهو فوقهم بالقهر كقوله تعالى: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ. والجملة حال من الضمير في لاَ يَسْتَكْبِرُونَ، أو بيان له وتقرير لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته. وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ من الطاعة والتدبير، وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء.
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٥١ الى ٥٢]
وَقالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)
وَقالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ذكر العدد مع أن المعدود يدل عليه دلالة على أن مساق النهي إليه، أو إيماءِ بأن الاثنينية تنافي الألوهية كما ذكر الواحد في قوله: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ للدلالة على أن المقصود إثبات الوحدانية دون الإِلهية، أو للتنبيه على أن الوحدة من لوازم الإِلهية. فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ نقل من الغيبة إلى التكلم مبالغة في الترهيب وتصريحاً بالمقصود فكأنه قال: فأنا ذلك الإِله الواحد فإياي فارهبون لا غير.
وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خلقاً وملكاً. وَلَهُ الدِّينُ أي الطاعة. واصِباً لازماً لما تقرر من أنه الإله وحده والحقيق بأن يرهب منه. وقيل واصِباً من الوصب أي وله الدين ذا كلفة. وقيل الدين الجزاء أي وله الجزاء دائماً لا ينقطع ثوابه لمن آمن وعقابه لمن كفر. أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ولا ضار سواه كما لا نافع غيره كما قال تعالى:
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٥٣ الى ٥٥]
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥)
وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أي وأي شيء اتصل بكم من نعمة فهو من الله، وَما شرطية أو موصولة متضمنة معنى الشرط باعتبار الإِخبار دون الحصول، فإن استقرار النعمة بهم يكون سبباً للإِخبار بأنها من الله لا لحصولها منه. ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار رفع الصوت في الدعاء والاستغاثة.