[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٦]
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦)
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالكفر والمعاصي كعاد وثمود، وأصل سكن أن يعدى بفي كقرَّ وغني وأقام، وقد يستعمل بمعنى التبويء فيجري مجراه كقولك سكنت الدار. وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ بما تشاهدونه في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم. وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ من أحوالهم أي بينا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب، أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة.
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ المستفرغ فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل. وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه، أو عنده ما يمكرهم به جزاء لمكرهم وإبطالاً له. وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ في العظم والشدة. لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ مسوى لإزالة الجبال. وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ على أن الجبال مثل لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحوه. وقيل مخففة من الثقيلة والمعنى أنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال الراسية ثباتاً وتمكناً من آيات الله تعالى وشرائعه. وقرأ الكسائي لِتَزُولَ بالفتح والرفع على أنها المخففة واللام هي الفاصلة، ومعناه تعظيم مكرهم. وقرئ بالفتح والنصب على لغة من يفتح لام كي وقرئ و «إن كاد مكرهم» .
[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٧]]
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧)
فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ مثل قوله: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذاناً بأنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعادَ وإذا لم يخلف وعده أحداً فكيف يخلف رسله. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب لا يماكر قادر لا يدافع. ذُو انتِقامٍ لأوليائه من أعدائه.
[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٤٨]]
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨)
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ بدل من يَوْمَ يَأْتِيهِمُ أو ظرف للانتقام، أو مقدر باذكر أو لا يخلف وعده. ولا يجوز أن ينتصب بمخلف لأن ما قبل أن لا يعمل فيما بعده. وَالسَّماواتُ عطف على الأرض وتقديره والسموات غير السموات، والتبديل يكون في الذات كقولك: بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله:
بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها وفي الصفة كقولك بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وغيرت شكلها، وعليه قوله: يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ والآية تحتملهما،
فعن علي رضي الله تعالى عنه: تبدل أرضاً من فضة وسموات من ذهب
، وعن ابن مسعود وأنس رضي الله تعالى عنهما: يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هي تلك الأرض وإنما تغير صفاتها. ويدل عليه ما
روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: «تبدل الأرض غير الأرض فتبسط وتمد مد الأديم العكاظي
لاَّ تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً واعلم أنه لا يلزم على الوجه الأول أن يكون الحاصل بالتبديل أرضاً وسماء على الحقيقة، ولا يبعد على الثاني أن يجعل الله الأرض جهنم والسموات الجنة على ما أشعر به قوله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وقوله: إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ. وَبَرَزُوا من أجداثهم لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ لمحاسبته ومجازاته، وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أن الأمر في غاية الصعوبة كقوله: