إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنا لا يتوقعونه لإنكارهم البعث وذهولهم بالمحسوسات عما وراءها. وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا من الآخرة لغفلتهم عنها. وَاطْمَأَنُّوا بِها وسكنوا إليها مقصرين هممهم على لذائذها وزخارفها، أو سكنوا فيها سكون من لا يزعج عنها. وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ لا يتفكرون فيها لانهماكهم فيما يضادها والعطف إما لتغاير الوصفين والتنبيه على أن الوعيد على الجمع بين الذهول عن الآيات رأساً والانهماك في الشهوات بحيث لا تخطر الآخرة ببالهم أصلاً، وإما لتغاير الفريقين والمراد بالأولين من أنكر البعث ولم ير إلاَّ الحياة الدنيا وبالآخرين من أَلهاه حب العاجل عن التأمل في الآجل والاعداد له.
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ بما واظبوا عليه وتمرنوا به من المعاصي.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩ الى ١٠]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ بسبب إيمانهم إلى سلوك سبيل يؤدي إلى الجنة، أو لإدراك الحقائق كما
قال عليه الصلاة والسلام «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» .
أو لما يريدونه في الجنة، ومفهوم الترتيب وإن دل على أن سبب الهداية هو الإِيمان والعمل الصالح لكن دل منطوق قوله: بِإِيمانِهِمْ على استقلال الإِيمان بالسببية وأن العمل الصالح كالتتمة والرديف له. تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ استئناف أو خبر ثان أو حال من الضمير المنصوب على المعنى الأخير، وقوله: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ خبر أو حال أخرى منه، أو من الْأَنْهارُ أو متعلق ب تَجْرِي أو بيهدي.
دَعْواهُمْ فِيها أي دعاؤهم. سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ اللهم إنا نسبحك تسبيحاً. وَتَحِيَّتُهُمْ ما يحيي به بعضهم بعضاً، أو تحية الملائكة إياهم. فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ وآخر دعائهم. أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي أن يقولوا ذلك، ولعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال، ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعالى فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام، وأَنِ هي المخففة من الثقيلة وقد قرئ بها وينصب «الحمد» .
[[سورة يونس (١٠) : آية ١١]]
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ ولو يسرعه إليهم. اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ وضع موضع تعجيله لهم بالخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم في الخير حتى كأن استعجالهم به تعجيل لهم أو بأن المراد شر استعجلوه كقولهم فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ وتقدير الكلام، ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله للخير حين استعجلوه استعجالاً كاستعجالهم بالخير، فحذف منه ما حذف لدلالة الباقي عليه. لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ لأميتوا وأهلكوا وقرأ ابن عامر ويعقوب لَقضى على البناء للفاعل وهو الله تعالى وقرئ «لقضينا» . فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ عطف على فعل محذوف دلت عليه الشرطية كأنه قيل: ولكن لا نعجل ولا نقضي فنذرهم إمهالا لهم واستدراجا.
[[سورة يونس (١٠) : آية ١٢]]
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)