[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٠ الى ١٠١]
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)
ذلِكَ أي ذلك النبأ. مِنْ أَنْباءِ الْقُرى المهلكة. نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مقصوص عليك. مِنْها قائِمٌ من تلك القرى باق كالزرع القائم. وَحَصِيدٌ ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود، والجملة مستأنفة وقيل حال من الهاء في نقصه وليس بصحيح إذ لا واو ولا ضمير.
وَما ظَلَمْناهُمْ بإهلاكنا إياهم. وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه. فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم بل ضرتهم. آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ حين جاءهم عذابه ونقمته. وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ هلاك أو تخسير.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]
وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)
وَكَذلِكَ ومثل ذلك الأخذ. أَخْذُ رَبِّكَ وقرئ «أَخْذُ رَبّكَ» بالفعل وعلى هذا يكون محل الكاف النصب على المصدر. إِذا أَخَذَ الْقُرى أي أهلكها وقرئ «إِذ» لأن المعنى على المضي. وَهِيَ ظالِمَةٌ حال من الْقُرى وهي في الحقيقة لأهلها لكنها لما أقيمت مقامه أجريت عليها، وفائدتها الإِشعار بأنهم أخذوا بظلمهم وإنذار كل ظالم ظلم نفسه، أو غيره من وخامة العاقبة. إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ وجيع غير مرجو الخلاص منه، وهو مبالغة في التهديد والتحذير.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما نزل بالأمم الهالكة أو فيما قصه الله تعالى من قصصهم. لَآيَةً لعبرة. لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ يعتبر به عظمته لعلمه بأن ما حاق بهم أنموذج مما أعد الله للمجرمين في الآخرة، أو ينزجر به عن موجباته لعلمه بأنها من إله مختار يعذب من يشاء ويرحم من يشاء. فإن من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم لم يقل بالفاعل المختار، وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكية اتفقت في تلك الأيام لا لذنوب المهلكين بها. ذلِكَ إشارة إلى يوم القيامة وعذاب الآخرة دل عليه. يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ أي يجمع له الناس، والتغيير للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم وأنه من شأنه لا محالة وأن الناس لا ينفكون عنه فهو أبلغ من قوله: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ومعنى الجمع له الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة. وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ أي مشهود فيه أهل السموات والأرضين فاتسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول به كقوله: في مَحفَلِ مِنْ نَوَاصِي النَّاس مَشْهُود، أي كثير شاهدوه، ولو جعل اليوم مشهوداً في نفسه لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك.
[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]
وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥)
وَما نُؤَخِّرُهُ أي اليوم. إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية على حذف المضاف وإرادة مدة التأجيل كلها بالأجل لا منتهاها فإنه غير معدود.
يَوْمَ يَأْتِ أي الجزاء أو اليوم كقوله: أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ على أن يَوْمَ بمعنى حين أو الله عز وجل كقوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ ونحوه. وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة يَأْتِ