للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصبح. وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ويسترها. وَيَغْفِرْ لَكُمْ بالتجاوز والعفو عنكم. وقيل السيئات الصغائر والذنوب الكبائر. وقيل المراد ما تقدم وما تأخر لأنها في أهل بدر وقد غفرهما الله تعالى لهم. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تنبيه على أن ما وعده لهم على التقوى تفضل منه وإحسان، وأنه ليس مما يوجب تقواهم عليه كالسيد إذا وعد عبده إنعاماً على عمل.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٠]]

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا تذكار لما مكر قريش به حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في خلاصه. من مكرهم واستيلائه عليهم، والمعنى واذكر إذ يمكرون بك. لِيُثْبِتُوكَ بالوثاق أو الحبس، أو الإِثخان بالجرح من قولهم ضربه حتى أثبته لا حراك به ولا براح، وقرئ لِيُثْبِتُوكَ بالتشديد و «ليبيتوك» من البيات و «ليقيدوك» . أَوْ يَقْتُلُوكَ بسيوفهم. أَوْ يُخْرِجُوكَ من مكة، وذلك أنهم لما سمعوا بإسلام الأنصار ومبايعتهم فرقوا واجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال: أنا من نجد سمعت اجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً فقال أبو البحتري: رأيي أن تحبسوه في بيت وتسدوا منافذه غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت، فقال الشيخ بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، فقال هشام بن عمرو رأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضركم ما صنع، فقال بئس الرأي يفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً صارماً فيضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم، فإذا طلبوا العقل عقلناه. فقال صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه، فأتى جبريل النبي عليهما السلام وأخبره الخبر وأمره بالهجرة، فبيت علياً رضي الله تعالى عنه في مضجعه وخرج مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى الغار. وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ برد مكرهم عليهم، أو بمجازاتهم عليه، أو بمعاملة الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا. وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره، وإسناد أمثال هذا مما يحسن للمزاوجة ولا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣١ الى ٣٢]

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢)

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا هو قول النضر بن الحرث، وإسناده إلى الجميع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم فإنه كان قاصهم، أو قول الذين ائتمروا في أمره عليه السلام وهذا غاية مكابرتهم وفرط عنادهم، إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاءوا وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين، ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سورة مع أنفتهم وفرط استنكافهم أن يغلبوا خصوصاً في باب البيان.

إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما سطره الأولون من القصص.

وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ هذا أيضاً من كلام ذلك القائل أبلغ في الجحود.

روي أنه لما قال النضر إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ويلك إنه كلام الله» فقال ذلك.

والمعنى إن كان هذا القرآن حقاً منزلاً فأمطر الحجارة علينا عقوبة على

<<  <  ج: ص:  >  >>