استجلاب الإِجابة، ولم يسم فرعون وذكر وصفاً يعمه وغيره لتعميم الإِستعاذة ورعاية الحق والدلالة على الحامل له على القول. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي عدت فيه وفي سورة «الدخان» بالإِدغام وعن نافع مثله.
[[سورة غافر (٤٠) : آية ٢٨]]
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨)
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ من أقاربه. وقيل مِنْ متعلق بقوله: يَكْتُمُ إِيمانَهُ والرجل إسرائيلي أو غريب موحد كان ينافقهم. أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أتقصدون قتله. أَنْ يَقُولَ لأن يقول، أو وقت أن يقول من غير روية وتأمل في أمره. رَبِّيَ اللَّهُ وحده وهو في الدلالة على الحصر مثل صديقي زيد. وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ المتكثرة الدالة على صدقه من المعجزات والاستدلالات. مِنْ رَبِّكُمْ أضافه إليهم بعد ذكر البينات احتجاجاً عليهم واستدراجاً لهم إلى الاعتراف به، ثم أخذهم بالاحتجاج من باب الاحتياط فقال:
وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله. وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ فلا أقل من أن يصيبكم بعضه، وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للإِنصاف وعدم التعصب، ولذلك قدم كونه كاذباً أو يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده، كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالاً عندهم وتفسير ال بَعْضُ بالكل كقول لبيد:
تَرَاكَ أَمْكنة إِذَا لَمْ أَرْضَهَا ... أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوسِ حمامُهَا
مردود لأنه أراد بال بَعْضُ نفسه. إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ احتجاج ثالث ذو وجهين:
أحدهما: أنه لو كان مسرفاً كذاباً لما هداه الله إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات.
وثانيهما: أن من خذله الله أهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله. ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم، وعرض به لفرعون بأنه مُسْرِفٌ كَذَّابٌ لا يهديه الله سبيل الصواب وطريق النجاة.
[[سورة غافر (٤٠) : آية ٢٩]]
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩)
يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ غالبين عالين. فِي الْأَرْضِ أرض مصر. فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد، وإنما أدرج نفسه في الضميرين لأنه كان منهم في القرابة وليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم. قالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ ما أشير عليكم. إِلَّا مَا أَرى وأستصوبه من قتله وما أعلمكم إلا ما علمت من الصواب وقلبي ولساني متواطئان عليه. وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ طريق الصواب، وقرئ بالتشديد على أنه فعال للمبالغة من رشد كعلام، أو من رشد كعباد لا من أرشد كجبار من أجبر لأنه مقصور على السماع أو للنسبة إلى الرشد كعواج وبتات.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١)
وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ في تكذيبه والتعرض له. مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مثل أيام