وَقالُوا آمَنَّا بِهِ بمحمّد عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكره في قوله: مَا بِصاحِبِكُمْ. وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ ومن أين لهم أن يتناولوا الإِيمان تناولاً سهلاً. مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم، وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالإيمان بعد ما فات عنهم أوانه وبعد عنهم، بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة، وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها.
أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة:
أَقْحَمَنِي جَارُ أَبِي الجَامُوش ... إِلَيْكَ نَأْشَ القدر النؤوش
أو من نأشت إذا تأخرت ومنه قوله:
تَمَنَّى نَشِيْشاً أَن يَكُونَ أَطَاعَنِي ... وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ
فيكون بمعنى التناول من بعد.
[سورة سبإ (٣٤) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ بمحمد عليه الصلاة والسلام أو بالعذاب. مِنْ قَبْلُ من قبل ذلك أوان التكليف.
وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ ويرجمون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم في الرسول عليه الصلاة والسلام من المطاعن، أو في العذاب من البت على نفيه. مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ من جانب بعيد من أمره، وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو حال الآخرة كما حكاه من قبل. ولعله تمثيل لحالهم في ذلك بحال من يرمي شيئاً لا يراه من مكان بعيد لا مجال للظن في لحوقه، وقرئ «وَيَقْذِفُونَ» على أن الشيطان يلقي إليهم ويلقنهم ذلك، والعطف على وَقَدْ كَفَرُوا على حكاية الحال الماضية أو على قالوا فيكون تمثيلاً لحالهم بحال القاذف في تحصيل ما ضيعوه من الإِيمان في الدنيا.
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ من نفع الإِيمان والنجاة به من النار، وقرأ ابن عامر والكسائي بإشمام الضم للحاء. كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ بأشباههم من كفرة الأمم الدارجة. إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ موقع في الريبة، أو ذي ريبة منقول من المشكك، أو الشك نعت به الشك للمبالغة.
عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ سورة سبأ لم يبق رسول ولا نبي إلا كان له يوم القيامة رفيقاً ومصافحاً» .