فقلت لها: خفته في الشدة ولم أخفه في الرخاء فتركتها وأعطيتها ملتمسها، اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا، فانصدع حتى تعارفوا. وقال الثالث كان لي أبوان هرمان وكانت لي غنم وكنت أطعمهما وأسقيهما ثم أرجع إلى غني فحبسني ذات يوم غيث فلم أبرح حتى أمسيت، فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت فيه ومضيت إليهما، فوجدتهما نائمين فشق علي أن أوقظهما، فتوقعت جالساً ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما. اللهم إن كنت فعلته لوجهك فافرج عنا. ففرج الله عنهم فخرجوا وقد رفع ذلك نعمان بن بشير.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١)
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ يعني فتية من أشراف الروم أرادهم دقيانوس على الشرك فأبوا وهربوا إلى الكهف، فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً توجب لنا المغفرة والرزق والأمن من العدو. وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا من الأمر الذي نحن عليه من مفارقة الكفار. رَشَداً نصير بسببه راشدين مهتدين، أو اجعل أمرنا كله رشداً كقولك: رأيت منك أسداً وأصل التهيئة إحداث هيئة الشيء.
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ أي ضربنا عليهم حجاباً يمنع السماع بمعنى أنمناهم إنامة لا تنبههم فيها الأصوات، فحذف المفعول كما حذف في قولهم: بنى على امرأته. فِي الْكَهْفِ سِنِينَ ظرفان لضربنا.
عَدَداً أي ذوات عدد، ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل، فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣)
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أيقظناهم. لِنَعْلَمَ ليتعلق علمنا تعلقاً حالياً مطابقاً لتعلقه أولاً تعلقاً استقبالياً. أَيُّ الْحِزْبَيْنِ المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم. أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً ضبط أمد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم، فهو مبتدأ وأَحْصى خبره. وهو فعل ماضٍ وأَمَداً مفعول له ولِما لَبِثُوا حال منه أو مفعول له، وقيل إنه المفعول واللام مزيدة وما موصولة وأَمَداً تمييز، وقيل أَحْصى اسم تفضيل من الإِحصاء بحذف الزوائد كقولهم: هو أحصى للمال وأفلس من ابن المذلق، وأَمَداً نصب بفعل دل عليه أَحْصى كقوله:
وَأضرب مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ بالصدق. إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ شبان جمع فتى كصبي وصبية. آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً بالتثبيت.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٤ الى ١٥]
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (١٥)
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ وقويناها بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال، والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار. إِذْ قامُوا بين يديه. فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً والله لقد قلنا قولاً ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم.