للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعكس فإنهم أحقاء بأن يخافوا من بأس الله على ما هم عليه بقوله:

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]

وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩)

وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالهم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارهم. فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ خاوية. لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا من السكنى إذ لا يسكنها إلا المارة يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، أو لا يبقى من يسكنها من شؤم معاصيهم.

وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ منهم إذ لم يخلفهم أحد يتصرف تصرفهم في ديارهم وسائر متصرفاتهم، وانتصاب مَعِيشَتَها بنزع الخافض أو بجعلها ظرفاً بنفسها كقولك: زيد ظني مقيم، أو بإضمار زمان مضاف إليها أو مفعولاً على تضمين بطرت معنى كفرت.

وَما كانَ رَبُّكَ وما كانت عادته. مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها في أصلها التي هي أعمالها، لأن أهلها تكون أفطن وأنبل. رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا لإِلزام الحجة وقطع المعذرة. وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ بتكذيب الرسل والعتو في الكفر.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٠ الى ٦١]

وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)

وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ من أسباب الدنيا. فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها تمتعون وتتزينون به مدة حياتكم المنقضية. وَما عِنْدَ اللَّهِ وهو ثوابه. خَيْرٌ في نفسه من ذلك لأنه لذة خالصة وبهجة كاملة. وَأَبْقى لأنه أبدى. أَفَلا تَعْقِلُونَ فتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، وقرأ أبو عمرو بالياء وهو أبلغ في الموعظة.

أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً وعداً بالجنة فإن حسن الوعد بحسن الموعود. فَهُوَ لاقِيهِ مدركه لا محالة لامتناع الخلف في وعده، ولذلك عطفه بالفاء المعطية معنى السببية. كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا الذي هو مشوب بالآلام مكدر بالمتاعب مستعقب بالتحسر على الانقطاع. ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ للحساب أو العذاب، وثُمَّ للتراخي في الزمان أو الرتبة، وقرأ نافع وابن عامر في رواية والكسائي ثُمَّ هُوَ بسكون الهاء تشبيهاً للمنفصل بالمتصل، وهذه الآية كالنتيجة للتي قبلها ولذلك رتبت عليها بالفاء.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]

وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ مَا كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣)

وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ عطف على يوم القيامة أو منصوب باذكر. فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي، فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما.

قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بثبوت مقتضاه وحصول مؤداه وهو قوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وغيره من آيات الوعيد. رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أي هؤُلاءِ الَّذِينَ أغويناهم فحذف الراجع إلى الموصول. أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا أي أَغْوَيْناهُمْ فغووا غياً مثل ما غوينا، وهو استئناف للدلالة على أنهم غووا باختيارهم وأنهم لم يفعلوا بهم إلا وسوسة وتسويلاً، ويجوز أن يكون الَّذِينَ صفة

<<  <  ج: ص:  >  >>