للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، أو إلى الظرف كقولهم: ثبت الغدر بمعنى أنه عديم النظير فيهما، وقيل معناه المبدع وقد سبق الكلام فيه، ورفعه على الخبر والمبتدأ محذوف أو على الابتداء وخبره. أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ أي من أين أو كيف يكون له ولد. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ يكون منها الولد. وقرئ بالياء للفصل أو لأن الاسم ضمير الله أو ضمير الشأن. وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لا تخفى عليه خافية، وإنما لم يقل به لتطرق التخصيص إلى الأول، وفي الآية استدلال على نفي الولد من وجوه: (الأول) أنه من مبدعاته السموات والأرضون، وهي مع أنها من جنس ما يوصف بالولادة مبرأة عنها لاستمرارها وطول مدتها فهو أولى بأن يتعالى عنها، أو أن ولد الشيء نظيره ولا نظير له فلا ولد.

(والثاني) أن المعقول من الولد ما يتولد من ذكر وأنثى متجانسين والله سبحانه وتعالى منزه عن المجانسة.

(والثالث) أن الولد كفؤ الوالد ولا كفؤ له لوجهين: الأول أن كل ما عداه مخلوقه فلا يكافئه. والثاني أنه سبحانه وتعالى لذاته عالم بكل المعلومات ولا كذلك غيره بالإجماع.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٣]

ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)

ذلِكُمُ إشارة إلى الموصوف بما سبق من الصفات وهو مبتدأ. اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ أخبار مترادفة ويجوز أن يكون البعض بدلاً أو صفة والبعض خبراً. فَاعْبُدُوهُ حكم مسبب عن مضمونها فإن من استجمع هذه الصفات استحق العبادة. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي وهو مع تلك الصفات متولي أموركم فكلوها إليه وتوسلوا بعبادته إلى إنجاح مآربكم ورقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها.

لاَّ تُدْرِكُهُ أي لا تحيط به. الْأَبْصارُ جمع بصر وهي حاسة النظر وقد يقال للعين من حيث إنها محلها واستدل به المعتزلة على امتناع الرؤية وهو ضعيف، إذ ليس الإِدراك مطلق الرؤية ولا النفي في الآية عاماً في الأوقات فلعله مخصوص ببعض الحالات ولا في الأشخاص، فإنه في قوة قولنا لا كل بصر يدركه مع أن النفي لا يوجب الامتناع. وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يحيط علمه بها. وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فيدرك ما لا تدركه الأبصار كالأبصار، ويجوز أن يكون من باب اللف أي لا تدركه الأبصار لأنه اللطيف وهو يدرك الأبصار لأنه الخبير، فيكون اللطيف مستعاراً من مقابل الكثيف لما لا يدرك بالحاسة ولا ينطبع فيها.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤) وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥)

قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ البصائر جمع بصيرة وهي للنفس كالبصر للبدن، سميت بها الدلالة لأنها تجلي لها الحق وتبصرها به. فَمَنْ أَبْصَرَ أي أبصر الحق وآمن به. فَلِنَفْسِهِ أبصر لأن نفسه لها. وَمَنْ عَمِيَ عن الحق وضل. فَعَلَيْها وباله. وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ وإنما أنا منذر والله سبحانه وتعالى هو الحفيظ عليكم يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها، وهذا كلام ورد على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام.

وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ومثل ذلك التصريف نصرف، وهو إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة من الصرف، وهو نقل الشيء من حال إلى حال. وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ أي وليقولوا درست صرفنا واللام لام العاقبة، والدرس القراءة والتعليم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو دارست أي دارست أهل الكتاب وذاكرتهم، وابن عامر ويعقوب درست من الدروس أي قدمت هذه الآيات وعفت كقولهم أساطير الأولين. وقرئ «دَرُسْتَ» بضم الراء مبالغة في درست ودرست على البناء للمفعول بمعنى قرئت، أو عفيت ودارست بمعنى درست أو دارست اليهود محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وجاز إضمارهم بلا ذكر لشهرتهم بالدراسة، ودرسن أي عفون ودرس

<<  <  ج: ص:  >  >>