وَقُلِ اعْمَلُوا ما شئتم. فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ فإنه لا يخفى عليه خيراً كان أو شراً. وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ فإنه تعالى لا يخفى عنهم كما رأيتم وتبين لكم. وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ بالموت.
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ بالمجازاة عليه.
وَآخَرُونَ من المتخلفين. مُرْجَوْنَ مؤخرون أي موقوف أمرهم من أرجأته إذا أخرته. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص مُرْجَوْنَ بالواو وهما لغتان. لِأَمْرِ اللَّهِ في شأنهم. إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ إن أصروا على النفاق. وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ إن تابوا والترديد للعباد، وفيه دليل على أن كلا الأمرين بإرادة الله تعالى.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوالهم. حَكِيمٌ فيما يفعل بهم. وقرئ «والله غفور رحيم» ، والمراد بهؤلاء كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع، أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم، فلما رأوا ذلك أخلصوا نياتهم وفوضوا أمرهم إلى الله فرحمهم الله تعالى.
[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٧]]
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً عطف على وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ، أو مبتدأ خبره محذوف أي وفيمن وصفنا الذين اتخذوا أو منصوب على الاختصاص. وقرأ نافع وابن عامر بغير الواو ضِراراً مضارة للمؤمنين.
وروي: (أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم بنو غنم بن عوف، فبنوا مسجداً على قصد أن يؤمهم فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام فلما أتموه أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنا قد بنينا مسجداً لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة والشاتية فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت، فدعا بمالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن والوحشي فقال لهم: انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ففعل واتخذ مكانه كناسة) .
وَكُفْراً وتقوية للكفر الذي يضمرونه. وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يريد الذي كانوا يجتمعون للصلاة في مسجد قباء. وَإِرْصاداً ترقباً. لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ يعني الراهب فإنه قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد: لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين حتى انهزم مع هوازن وهرب إلى الشام ليأتي من قيصر بجنود يحارب بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومات بقنسرين وحيداً، وقيل كان يجمع الجيوش يوم الأحزاب فلما انهزموا خرج إلى الشام. ومِنْ قَبْلُ متعلق ب حارَبَ أو ب اتَّخَذُوا أي اتخذوا مسجداً من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف، لما
روي أنه بني قبيل غزوة تبوك فسألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيه فقال: أنا على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله صلينا فيه فلما قفل كرر عليه. فنزلت
وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى ما أردنا ببنائه إلا الخصلة الحسنى أو الإرادة الحسنى وهي الصلاة والذكر والتوسعة على المصلين وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في حلفهم.
[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٨]]
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)
لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً للصلاة. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى يعني مسجد قباء أسسه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلى فيه أيام مقامه بقباء من الاثنين إلى الجمعة لأنه أوفق للقصة، أو مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم
لقول أبي سعيد رضي الله عنه: «سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنه فقال هو مسجدكم هذا مسجد المدينة» .
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ من أيام وجوده ومن يعم الزمان والمكان كقوله:
لِمَنِ الدِّيَارُ بِقُنةِ الحَجَر ... أَقَوَيْنَ مِنْ حجَجِ وَمِنْ دَهرٍ