فَدَعَوْتُ رَبِّي بِالسَّلاَمَةِ جَاهِدا ... لِيُصحّنِي فَإِذَا السَّلاَمَةُ دَاءُ
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ هاربين مخافة العدوى.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩١ الى ٩٣]
فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) مَا لَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣)
فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فذهب إليها في خفية من روغة الثعلب وأصله الميل بحيلة. فَقالَ أي للأصنام استهزاء. أَلا تَأْكُلُونَ يعني الطعام الذي كان عندهم.
مَا لَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ بجوابي.
فَراغَ عَلَيْهِمْ فمال عليهم مستخفياً، والتعدية بعلى للاستعلاء وإن الميل لمكروه. ضَرْباً بِالْيَمِينِ مصدر «لراغ عليهم» لأنه في معنى ضربهم، أو لمضمر تقديره فراغ عليهم يضربهم وتقييده باليمين للدلالة على قوته فإن قوة الآلة تستدعي قوة الفعل، وقيل بِالْيَمِينِ بسبب الحلف وهو قوله: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٦]
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد ما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا الآية. يَزِفُّونَ يسرعون من زفيف النعام. وقرى حمزة على بناء المفعول من أزفه أي يحملون على الزفيف. وقرئ «يَزِفُّونَ» أي يزف بعضهم بعضاً، و «يَزِفُّونَ» من وزف يزف إذا أسرع و «يَزِفُّونَ» من زفاه إذا حداه كأن بعضهم يزفو بعضاً لتسارعهم إليه قالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ما تنحتونه من الأصنام.
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم، ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد، أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون، أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك، وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيهما من حذف أو مجاز.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)
قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ في النار الشديدة من الجحمة وهي شدة التأجج، واللام بدل الإِضافة أي جحيم ذلك البنيان.
فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم. فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهاناً نيراً على علو شأنه، حيث جعل النار عليه برداً وسلاما.
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]
وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١)
وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي إلى حيث أمرني ربي وهو الشام، أو حيث أتجرد فيه لعبادته. سَيَهْدِينِ إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي، وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله، أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ فلذلك ذكر بصيغة التوقع.
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة، يعني الولد لأن لفظ الهبة غالب فيه ولقوله: