الضمائر توافقها في المرجوع إليه ولا يتعين أن تكون الجملة حالاً من الضمير لجواز أن تكون حالاً من المجرمين، ولا ينافي كونها مفسرة للمعنى الأول بل يقويه. وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم، أو بإهلاك من كذب الرسل منهم فيكون وعيدا لأهل مكة.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ١٤ الى ١٥]
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أي على هؤلاء المقترحين. بَاباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ يصعدون إليها ويرون عجائبها طول نهارهم مستوضحين لما يرون، أو تصعد الملائكة وهم يشاهدونهم.
لَقالُوا من غلوهم في العناد وتشكيكهم في الحق. إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا سدت عن الأبصار بالسحر من السكر، ويدل عليه قراءة ابن كثير بالتخفيف، أو حيرت من السكر ويدل عليه قراءة من قرأ «سكرت» . بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ قد سحرنا محمد بذلك كما قالوه عند ظهور غيره من الآيات، وفي كلمتي الحصر والإضراب دلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له بل هو باطل خيل إليهم بنوع من السحر.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ١٦ الى ١٨]
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨)
وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً اثني عشر مختلفة الهيئات والخواص على ما دل عليه الرصد والتجربة مع بساطة السماء. وَزَيَّنَّاها بالأشكال والهيئات البهية. لِلنَّاظِرِينَ المعتبرين المستدلين بها على قدرة مبدعها وتوحيد صانعها.
وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس إلى أهلها ويتصرف في أمرها ويطلع على أحوالها.
إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ بدل من كل شيطان واستراق السمع اختلاسه سراً، شبه به خطفتهم اليسيرة من قطان السموات لما بينهم من المناسبة في الجوهر أو بالاستدلال من أوضاع الكواكب وحركاتها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا لا يحجبون عن السموات، فلما ولد عيسى عليه الصلاة والسلام منعوا من ثلاث سموات، فلما ولد محمد صلّى الله عليه وسلّم منعوا من كلها بالشهب. ولا يقدح فيه تكونها قبل المولد لجواز أن يكون لها أسباب أخر. وقيل الاستثناء منقطع أي ولكن من استرق السمع. فَأَتْبَعَهُ فتبعه ولحقه.
شِهابٌ مُبِينٌ ظاهر للمبصرين، والشهاب شعلة نار ساطعة، وقد يطلق للكوكب والسنان لما فيهما من البريق.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠)
وَالْأَرْضَ مَدَدْناها بسطناها. وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ جبالاً ثوابت. وَأَنْبَتْنا فِيها في الأرض أو فيها وفي الجبال. مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ مقدر بمقدار معين تقتضيه حكمته، أو مستحسن، مناسب من قولهم كلام موزون، أو ما يوزن ويقدر أو له وزن في أبواب النعمة والمنفعة.
وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ تعيشون بها من المطاعم والملابس. وقرئ «معائش» بالهمزة على التشبيه بشمائل: وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ عطف على مَعايِشَ أو على محل لَكُمْ، ويريد به العيال والخدم