للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لمَّا يلقى عليه، وأضاف إليه الغمر الذي هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء نظراً إلى المستعار له، وقد ينظر إلى المستعار كقوله:

يُنَازِعْني رِدَائي عَبْدُ عَمْرو ... رُوَيْدَكَ يَا أَخَا عَمْرُو بن بَكْرِ

لِي الشَّطرُ الَّذِي مَلَكت يَمِيني ... وَدُونَكَ فَاعْتَجِرْ مِنْهُ بِشَطْرٍ

استعار الرداء لسيفه ثم قال فاعتجر نظراً إلى المستعار. بِما كانُوا يَصْنَعُونَ بصنيعهم.

[[سورة النحل (١٦) : آية ١١٣]]

وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣)

وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، والضمير لأهل مكة عاد إلى ذكرهم بعد ما ذكر مثلهم.

فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ أي حال التباسهم بالظلم والعذاب ما أصابهم من الجدب الشديد، أو وقعة بدر.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٤ الى ١١٥]

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥)

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً أمرهم بأكل ما أحل الله لهم وشكر ما أنعم عليهم بعد ما زجرهم عن الكفر وهددهم عليه بما ذكر من التمثيل والعذاب الذي حل بهم، صداً لهم عن صنيع الجاهلية ومذاهبها الفاسدة. وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ تطيعون، أو إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادة الآلهة عبادته.

إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لما أمرهم بتناول ما أحل لهم عدد عليهم محرماته ليعلم أن ما عداها حل لهم، ثم أكد ذلك بالنهي عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٦ الى ١١٧]

وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧)

وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ كما قالوا مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا الآية، ومقتضى سياق الكلام وتصدير الجملة بإنما حصر المحرمات في الأجناس الأربعة إلا ما ضم إليه دليل: كالسباع والحمر الأهلية، وانتصاب الْكَذِبَ ب لاَ تَقُولُوا وهذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ بدل منه أو متعلق بتصف على إرادة القول أي: ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام، أو مفعول لا تَقُولُوا، والْكَذِبَ منتصب ب تَصِفُ وما مصدرية أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي: لا تحرموا ولا تحللوا بمجرد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل، ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب كأن حقيقة الكذب كانت مجهولة وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم هذا، ولذلك عد من فصيح الكلام كقولهم: وجهها يصف الجمال وعينها تصف السحر. وقرئ «الكذب» بالجر بدلاً من «ما» ، والْكَذِبَ جمع كذوب أو كذاب بالرفع صفة للألسنة وبالنصب على الذم أو بمعنى الكلم الكواذب. لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ تعليل لا يتضمن الغرض. إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ لما كان المفتري يفتري لتحصيل مطلوب نفي عنهم الفلاح وبينه بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>