وبأجزائهم وأحوالهم فيكون معنى الجواب: أن علمه تعالى محيط بذلك كله وأنه مثبت عنده لا يضل ولا ينسى.
[[سورة طه (٢٠) : آية ٥٣]]
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً مرفوع صفة ل رَبِّي أو خبر لمحذوف أو منصوب على المدح. وقرأ الكوفيون هنا وفي «الزخرف» مَهْداً أي كالمهد تتمدونها، وهو مصدر سمي به، والباقون مهاداً وهو اسم ما يمهد كالفراش أو جمع مهد ولم يختلفوا في الذي في «النبأ» . وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً بين الجبال والأودية والبراري تسلكونها من أرض إلى أرض لتبلغوا منافعها. وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء مطراً.
فَأَخْرَجْنا بِهِ عدل به عن لفظ الغيبة إلى صيغة التكلم على الحكاية لكلام الله تعالى، تنبيهاً على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة وإيذاناً بأنه مطاع تنقاد الأشياء المختلفة لمشيئته، وعلى هذا نظائره كقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماء فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ الآية. أَزْواجاً أصنافاً سميت بذلك لازدواجها واقتران بعضها ببعض. مِنْ نَباتٍ بيان أو صفة لأزواجاً وكذلك: شَتَّى ويحتمل أن يكون صفة ل نَباتٍ فإنه من حيث إنه مصدر في الأصل يستوي فيه الواحد والجمع، وهو جمع شتيت كمريض ومرضى أي متفرقات في الصور والأغراض والمنافع يصلح بعضها للناس وبعضها للبهائم فلذلك قال:
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٤ الى ٥٥]
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥)
كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ وهو حال من ضمير فَأَخْرَجْنا على إرادة القول أي أخرجنا أصناف النبات قائلين كُلُوا وَارْعَوْا، والمعنى معديها لانتفاعكم بالأكل والعلف آذنين فيه. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية.
مِنْها خَلَقْناكُمْ فإن التراب أصل خلقة أول آبائكم وأول مواد أبدانكم. وَفِيها نُعِيدُكُمْ بالموت وتفكيك الأجزاء. وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الصور السابقة ورد الأرواح إليها.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧)
وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا بصرناه إياها أو عرفناه صحتها. كُلَّها تأكيد لشمول الأنواع أو لشمول الأفراد، على أن المراد بآياتنا آيات معهودة وهي الآيات التسع المختصة بموسى، أو أنه عليه السلام أراه آياته وعدد عليه ما أوتي غيره من المعجزات فَكَذَّبَ موسى من فرط عناده. وَأَبى الإِيمان والطاعة لعتوه..
قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا أرض مصر. بِسِحْرِكَ يا مُوسى هذا تعلل وتحير ودليل على أنه علم كونه محقاً حتى خاف منه على ملكه، فإن الساحر لا يقدر أن يخرج ملكاً مثله من أرضه.
[[سورة طه (٢٠) : آية ٥٨]]
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨)
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ مثل سحرك. فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً وعداً لقوله: لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا