فالمراد بالذات أن لا يكون له لا أن يكون لأخيه ويجوز أن يكون المراد بالإِثم عقوبته وإرادة عقاب العاصي جائزة.
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فسهلته له ووسعته من طاع له المرتع إذا اتسع. وقرئ «فطاوعت» على أنه فاعل بمعنى فعل، أو على أن قَتْلَ أَخِيهِ كأنه دعاها إلى الإِقدام عليه فطاوعته، وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله. فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ ديناً ودنيا، إذ بقي مدة عمره مطروداً محزوناً. قيل قتل هابيل وهو ابن عشرين سنة عند عقبة حراء. وقيل: بالبصرة في موضع المسجد الأعظم.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٣١]]
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ
روي أنه لما قتله تحير في أمره ولم يدر ما يصنع به إذ كان أول ميت من بني آدم، فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة
والضمير في ليرى، لله سبحانه وتعالى، أو للغراب، وكيف حال من الضمير في يُوارِي والجملة ثاني مفعولي يرى،! والمراد بسوأة أخيه جسده الميت فإنه مما يستقبح أن يرى. قالَ يا وَيْلَتى كلمة جزع وتحسر والألف فيها بدل من ياء المتكلم. والمعنى يا ويلتي احضري فهذا أوانك، والويل والويلة الهلكة. أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي لا أهتدي إلى مثل ما أهتدي إليه، وقوله: فَأُوارِيَ عطف على أَكُونَ وليس جواب الاستفهام إذ ليس المعنى هاهنا لو عجزت لواريت، وقرئ بالسكون على فأنا أواري أو على تسكين المنصوب تخفيفاً. فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ على قتله لما كابد فيه من التحير في أمره وحمله على رقبته سنة أو أكثر على ما قيل، وتلمذه للغراب واسوداد لونه وتبري أبويه منه، إذ
روي أنه لما قتله اسود جسده فسأله آدم عن أخيه فقال ما كنت عليه وكيلاً فقال بل قتلته ولذلك اسود جسدك وتبرأ منه ومكث بعد ذلك مائة سنة لا يضحك وعدم الظفر بما فعله من أجله.
[[سورة المائدة (٥) : آية ٣٢]]
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بسببه قضينا عليهم، وأجل في الأصل مصدر أجل شراً إذا جناه استعمل في تعليل الجنايات كقولهم، من جراك فعلته، أي من أن جررته أي جنيته ثم اتسع فيه فاستعمل في كل تعليل، ومن ابتدائية متعلقة بكتبنا أي ابتداء الكتب ونشؤه من أجل ذلك. أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص. أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ أو بغير فساد فيها كالشرك أو قطع الطريق.
فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً من حيث أنه هتك حرمة الدماء وسن القتل، وجرأ الناس عليه، أو من حيث إن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استجلاب غضب الله سبحانه وتعالى والعذاب العظيم. وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً أي ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع عن القتل، أو استنقاذ من بعض أسباب الهلكة فكأنما فعل ذلك بالناس جميعاً، والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ترهيباً عن التعرض لها وترغيباً في المحاماة عليها. وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ أي بعد ما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم من أجل أمثال تلك الجناية، وأرسلنا إليهم الرسل بالآيات الواضحة تأكيداً للأمر وتجديداً للعهد كي يتحاموا عنها وكثير منهم يسرفون في الأرض بالقتل ولا يبالون به، وبهذا اتصلت القصة بما قبلها والإِسراف التباعد عن حد الاعتدال في الأمر.