ويبدلوا عليهم دينهم. مِنْ وَرائِي بعد موتي، وعن ابن كثير بالمد والقصر بفتح الياء وهو متعلق بمحذوف، أو بمعنى الموالى أي خفت فعل الموالي من ورائي، أو الذين يلون الأمر من ورائي. وقرئ «خفت الوالي من ورائي» أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعدي، أو خفوا ودرجوا قدامي، فعلى هذا كان الظرف متعلقاً ب خِفْتُ. وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً لا تلد. فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ فإن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك، فإني وامرأتي لا نصلح للولادة. وَلِيًّا من صلبي.
يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ صفتان له وجزمهما أبو عمرو والكسائي على أنهما جواب الدعاء، والمراد وراثة الشرع والعلم فإن الأنبياء لا يورثون المال. وقيل يرثني الحبورة فإنه كان حبراً، ويرث من آل يعقوب الملك، وهو يعقوب بن إسحاق عليهما الصلاة والسلام. وقيل يعقوب كان أخا زكريا أو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليه السلام. وقرئ «يرثني وارث آل يعقوب» على الحال من أحد الضميرين، و «أويرث» بالتصغير لصغره، و «وارث من آل يعقوب» على أنه فاعل يَرِثُنِي وهذا يسمى التجريد في علم البيان لأنه جرد عن المذكور أولاً مع أنه المراد. وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ترضاه قولا وعملا.
[[سورة مريم (١٩) : آية ٧]]
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)
يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى جواب لندائه ووعد بإجابة دعائه وإنما تولى تسميته تشريفاً له.
لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا لم يسم أحد بيحيى قبله، وهو شاهد بأن التسمية بالأسامي الغريبة تنويه للمسمى. وقيل سمياً شبيهاً كقوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا لأن المتماثلين يتشاركان في الاسم، والأظهر أنه أعجمي وإن كان عربياً فمنقول عن فعل كيعيش ويعمر. وقيل سمي به لأنه حيي به رحم أمه، أو لأن دين الله حيي بدعوته.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٨ الى ٩]
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩)
قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا جساوة وقحولاً في المفاصل، وأصله عتوو كقعود فاستثقلوا توالي الضمتين والواوين فكسروا التاء فانقلبت الواو الأولى ياء، ثم قلبت الثانية وأدغمت وقرأ حمزة والكسائي وحفص عِتِيًّا بالكسر، وإنما استعجب الولد من شيخ فان وعجوز عاقر اعترافاً بأن المؤثر فيه كمال قدرته وأن الوسائط عند التحقيق ملغاة ولذلك: قالَ أي الله تعالى أو الملك المبلغ للبشارة تصديقاً له. كَذلِكَ الأمر كذلك، ويجوز أن تكون الكاف منصوبة ب- قالَ في:
قالَ رَبُّكَ وذلك إشارة إلى مبهم يفسره. هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ويؤيد الأول قراءة من قرأ وهُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ أي الأمر كما قلت، أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي، أو كما وعدت وهو على هين لا أحتاج فيما أريد أن أفعله إلى الأسباب، ومفعول قال الثاني محذوف. وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً بل كنت معدوماً صرفاً، وفيه دليل على أن المعدوم ليس بشيء، وقرأ حمزة والكسائي «وقد خلقناك» .
[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٠ الى ١١]
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً علامة أعلم بها وقوع ما بشرتني به. قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا سَوِيُّ الخَلْقِ ما بك من خرس ولا بكم، وإنما ذكر الليالي هنا والأيام في «آل عمران» للدلالة على أنه استمر عليه المنع من كلام الناس والتجرد للذكر والشكر ثلاثة أيام ولياليهن.